Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

دروب الظّلمة و النّور

temptation-escape-homeZineb Haddaji - زينب هداجي

" ماذا سيحدث لو هربت من البيت ؟ هل سيبحثون عنّي؟ هل سأترك فراغا برحيلي؟..." تساؤلات طرحتها "دروب" على نفسها و هي تهّم بمغادرة البيت عبر النافذة، نافذة غرفة" الخمسة عشر طفلا"...ألحت عليها الأسئلة بالإجابة...

قيدتها...منعتها من الخروج صدّتها عن الهروب، ولكنّ"دروب" دفعت بها إلى الجحيم... وغادرت... ربّما بلا رجعة. لم تأخذ من البيت شيأ حتّى صورة لأمها أو أبيها ، لم تفعل دلك ربّما لأن ليس لهما صورا أو لعلها تتذكرهما عندما تلامس أناملها النحيلة آثار ضربهما على جسدها؛ على ذراعيها الغضّان ...على فخذيها .لم تكن دروب تشعر بالحزن لفراق" جوقة التراجيديا" (تعني بذلك عائلتها)، بل على العكس ، فإنّ إيقاعاتها لم تعد تطربها ، أنغامها أصبحت نشازا يصّم الأذان، لهذا قررّت أن تعتزل الذّهاب لمشاهد عروض هذه "الجوقة".

ها هي تمشي في الشّارع في ساعة متأخرة من اللّيل، تناهز الواحدة بعد انتصافه... تمشي بخطى حذرة، خائفة، ولكنها حازمة، واثقة...أخذت"دروب" بطرفي ثوبها الرّمادي و كأنها تستمد منه أمانا واهما... ثابتا متزعزعا... تعتصر منه رحيق حماية واهية...تمرّ من أمام حانة، فيرمقها الثملان بعينيين حمراوان تتّقدان رغبة مهتاجة و عنفا حادّا.. يحدق بها السّكران وقد استحال وحشا جائعا...غولا مرعبا...يرمقها آخر بنظرات حادة تصير سهاما مسمومة... تنغرس في جسمها... يسيل الدّم منه أحمر قاني كالجلّنار... تهتز مفاصلها... تتصادم أسنانها...ترتعش كالمسعورة إثر ضحكة مدوية يطلقها متسكع يمرّ قربها... تحسّ الفتاة في تلك اللحظة بدافع داخلّي يجرّها من شعرها صوب البيت الذي غادرته خائفة و عادة إليه خائفة... راحت تجري كأن كلبا شرسا متوحشا يطاردها في تلك اللحظة المهيمنة... تهرول وتحسّ بالطريق تزداد طولا كلما ظّنت أنها قربت من البيت، تمنّت في تلك اللّحظة لو أن الطريق تقصر، يقصّ منها جزء، تحذف منها مسافة ... المهم أن تصل البيت بأقصى سرعة متاحة أو مستحيلة..ووصلت أخيرا...

وجدت النّافذة مفتوحة كما تركتها، لم تتحرك قيد أنملة، حتّى الريح لم تغير وضعها، عندها أحسّت بارتياح مؤقت... زائف...وما إن وضعت رجلها على طرف النافذة، جذبتها يد حتى أوصلتها إلى الأرض، وبما أنّ الظلام كان طاغي لم تعرف"دروب" يد من كانت تلك رغم ما ألم بها من هواجس وكوابيس، نامت قريرة العين قرب تلك اليد إلى طلوع الصبح.

استيقظت"دروب" على صوت يدندن أغنية فيروز "نسّم علينا الهوى من مفرق الوادي..." تعجّبت لسمع غناء في بيتهم عوضا عن الصراخ والبكاء... ما إن فتحت عينيها حتى وجدت
أمها جالسة قربها، جلسة لا تشوبها انفعالات المعتادة...نظرت إلى أمها فهمّت بالكلام، ولكن السيدة"وسيلة"أ وقفتها قائلة:" لا تعذري عمّا فعلت فأنا لن أعاقبك، ولا تكذبي كذالك لأني أعرف أنك هربت من البيت ليلة البارحة لأنك ضقت ذرعا بهذه المعيشة التعيسة..." انقطع كلامه بسبب البكاء... ولكن سرعان ما استرجعت رباطة جأشها و تماسكت ثّم استأنفت كلامها"... ولكن يا بنيّتي انظري إلى الجانب المشرق في حياتك: أنت في ربيع العمر يمكن أن تصنعي مصيرك بيدك... لك أن ترسمي ملامح مستقبلك... ولكن أنظري أنا... أنا أم منهكة تتناول كل يوم وجبة دسمة من الشتائم يقدمها زوج سكّير عاطل عن العمل... ابتلعت السيدة"وسيلة" غصّة في قلبها ثمّ واصلت كلامها والدّمع لينفكّ ينزل من العينين الشاحبتين:"...قولي لي هل وضع كهذا لا يدفعني الى الهروب؟...ألا تكفي كل هذه الأسباب المتحالفة ضدّي الى أن أهيم على وجهي في بلاد الله الواسعة؟؟؟...ولكن يا بنيّتي ما دمت أما لا أستطيع أن أهرب... كوني أمّا يسلبني حتّى حقّ الحزن... حقّ الهرب... يوم تصبحين أمّا ستدركين معنى كلامي...ستتفطنين إلى أن ابنتك تخطط للهرب من البيت... خذي النصيحة مني؛ لا تهربي من الفقر لأنه قدر و ليس ذنبا... اعرفي كيف تقاومينه بدل الهرب منه فالمطارد يلحق أبدا."

لا تدري "دروب" ماذا فعل بها كلام امّها...ربّما أثار فيها حربا داخلية لا تدري متى ستنتهي و لكنها اكتفت باتخاذ ركن من الغرفة، كتبها و كرّاساتها بين يديها، لتذاكر دروسها و الدّمع لينزل سيولا جارية، مندفعة، مسرعة... يغرق الغرفة و العائلة،فهل تغرق العائلة؟؟؟؟

زينب هداجي

دروب الظّلمة و النّور