Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

الصورة أم الغداء؟

photos-souvenirs-mariageZineb Haddaji - زينب هداجي

توقفت عن غسيل الأواني وأخذت تحرّك يدها في وعاء الماء مستمتعة بأشعة الشمس وهي تنظر إلى بلور النافذة وكأنها تحاول أن تنفذ من ضيق المطبخ و حرارته ومن روائحه الخانقة...

تركت مطبخها في فوضى عارمة ودعت نفسها إلى فسحة من الراحة.  سحبت من الرف ألبوم الصور القديمة. جلست على الأريكة.
مرّرت الصفحات ببطء شديد متأملة كل صورة. توقفت عند إحدى الصور: كانت في سنّ السابعة عشر. كانت ترتدي قميصا قطنيا ضيقا وتنورة قصيرة. شعرها مسرح بعناية على شاكلة الموضة في ذلك الزمن... قرطان من المرجان وعقد يضفيان على طلّها حيوية و إندفاعا...
مرّرت أصابعها على تفاصيل الصورة، تنهدت فخرجت من جوفها حرارة و عطشا... لفظت ما ركد في قلبها من أحزان و ما ترسب فيه من جروح زاد الزمن من تعفنها. فاشتعل رأسها شيبا ووهن عظمها.

مرّرت أصابعها مرة أخرى على الصورة... سحبتها من المغلف البلاستكي. أخذت الصورة ووقفت قرب النافذة . أرادت أن يحيي الضوء ألوانها و يبعث فيها الحركة.
رغبت أن تخرج من في الصورة وتتمشى في شوارع الحي غير مصغية لمن يشتهونها سرّا و يلعنونها علنا. قرّبت الصورة أكثر فأكثر من زاوية انبعاث الضوء، فتألقت ملامحها في الصورة كما كانت تتفتح تمردا و تحدّ  وهي في تلك السنّ.

ضحكت من في الصورة وغمزتها فضحكت هي الأخرى   وغمزتها، فضحكت هي الأخرى و غمزتها.

همت بأن ترجع الألبوم إلى مكانه. أقبل زوجها صاحب الكرش الكبير من العمل وهو يلهث و يلعن سائقي السيارات والطقس الحار وأسعار المواد الغذائية التي ارتفعت والبنات اللاتي يلبسنا  أشياء مخزية.... ثم أمرها  أن تقدم له الغداء.

و عندما أخبرته بأنها لم تعدّه بعد، ثارت ثائرته و راح يحقق معها و يسألها فيما قضت اليوم؟ ثم إنه ليس من عادتها أن تتأخر عن الطهو ... لم ترتعد ولم تضطرب بل ضربت الأرض بقدمها و أسرعت إلى الرف وأحضرت الصورة، وضعتها أمامه وانصرفت إلى المطبخ. بقي الزوج مندهشا من تصرف زوجته،

أخذ الصورة بكلتا يديه ويمعن النظر إلى الفتاة الجميلة في الصورة حتى أنّه لم يسمع زوجته وهي تسأله :

" ماذا تريد أن أطبخ لك في الغداء؟"

بقلم زينب هداجي

 


الصورة أم الغداء؟