Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
السيدة المنوبية: نسوية بلا قصد !
Imen Soudani - إيمان السوداني
هي عائشة بنت الشيخ عمران بن الحاج سليمان المنوبي و أمها فاطمة بنت عبد السميع المنوبي ،ولدت سنة 585 ه/ 1193 م بقرية منوبة غربي مدينة تونس ،و توفيت عن عمر يناهز 76 سنة ،و هي تنتمي إلى عائلة تنتسب فيها إلى قبيلة بني هاشم العربية الشهيرة التي ينتمي إليها الرسول و كذلك إلى الحركة المرابطية الإصلاحية و على هذا الأساس فليس من باب الصدفة أن يحمل والدها اسم عمران و هو اسم والد السيدة مريم أو عمر نسبة إلى ثاني الخلفاء الراشدين و أن يلقب بالشيخ وفقا لتقاليد الموحدية و ليس من قبيل الصدفة أيضا أن يكون اسم والدتها فاطمة نسبة إلى ابنة الرسول و لعل سلسلة النسب هذه رسمت لابنة قرية منوبة طريقا قادماً إلى مستقبل واعد و هيأها لمصير مغاير لما هو مألوف .
كانت السيدة عائشة تتقن اللغتين العربية و الامازيغية منذ طفولتها فقد كان والدها يشتغل وظيفة تعليمية دينية ( مؤدب) فقد كان يدرسها اللغة و القرآن ،ثم سجلت عائشة في إحدى مدارس الزاوية لتنهل من العلم و تتفقه في قواعد الدين و الإسلام و هنا وجب التوقف عند نقطة هامة و هي تعليم النساء ،فقد أفادت المصادر بأن النساء المتعلمات لم يكن يمثلن خلال القرن الخامس عشر سوى حالات معزولة من المحظيات ( مومسات الطبقة الرفيعة) و أغلبهن قادمات من المشرق العربي أو من الأندلس أو النساء اللاتي ينتمنين إلى السلالة الحاكمة أي الحفصيين و بالتالي نتبين استثنائية هذه الشخصية من جهة و ليونة و تشجيع الأب الشيخ على التعليم من جهة ثانية الذي مثل هذا الفعل خطوة جريئة و سابقة خاصة في اطار مجتمع محافظ و ذكوري لا يعترف بفكر المرأة ولا علمها.
صورة الكرامات بنفس قداسة صورة الكرامات.
يبدو جليا أثار السيدة عائشة في اختراق التقاليد الذكورية التي تسكن مجتمع قريتها خاصة فتمردها قد ظهر منذ طفولتها حينما رفضت الزواج من ابن عمها في سن الثالثة عشر ،و من ثم قرار مغادرتها للقرية التي لم تكن بدورها تتسع لأفكار و حرية فكر بحجم السيدة .
كذلك تظهر هذه النزعة النسوية عندها باكتسابها لعماد التحرر الذاتي و هو مسألة الاستقلال المادي و الاقتصادي فقد كانت تشتغل في الصوف و تعمل في الحياكة لتتولى إعالة نفسها بنفسها و بالتالي تخرج من عباءة القوامة الاقتصادية للذكر عليها ففطنتها قد جعلتها تؤمن بجدلية أن من لا يملك قوته لا يملك قراره .
و لم تكتف السيدة في هذا الإطار باعالة نفسها فقط بل كانت عطوفة بالمحتاجين و المعدومين فقد كانت كما تذكر ذلك المصادر تتصدق بكل مافي جيبها للفقراء كما أورد ذلك حسن حسني عبد الوهاب في كتاب شهيرات تونس إذ قال " إذا بات في جيبها درهم ولم تتصدق به تقول الليلة عبادتي ناقصة". كذلك حررت السيدة عائشة عديد الرقاب من العبيد التونسيون الذين كانوا يرسلون إلى ايطاليا لتطلق سراحهم و تشتريهم لإيمانها العميق بقيمة الحرية و أجر عتق الرقاب .
كذلك يظهر المشروع النسوي للسيدة عائشة من خلال انتمائها للطريقة الشاذلية فقد كانت تلميذة لأبو حسن الشاذلي الذي بدوره كان تابعا مغمورا لطريقة ابن عربي الأندلسي الصوفي الشهير الذي يعتمد في طريقته على ايلاء أهمية أكثر للجانب الإنساني فمدرسة ابن عربي كانت حاسمة في مسألة المساواة بين الجنسين و نفي أي تفاضل بين البشر أجمعين بل إنه يمكن اعتبار هذه المدرسة أو طريقة التصوف أي طريقة ابن عربي تخرج عن اعتبار الأنوثة مجرد جنس أو جندر إلى اتساعها ليظهر العالم كله بصيغة المؤنث لنصبح نتحدث على شرف التأنيث فتمثل الذات الالهية عند ابن عربي يكون في صورة امرأة فأكبر تجلي لفكرة الاله يكون حصرا عندها و من ثمة يندرج فكر السيدة المنوبية ضمن هذه الرؤية فهي تقوم على ازدراء الفكر التراثي أوالتراتبية الذكورية لصورة المرأة و الأنوثة عامة .
و ارتباط السيدة المنوبية بهذا التيار جعلها تكون في صورة المرأة المقاومة لكل تلك الاتهمامات و المقاييس الذكورية لتناضل من أجل افتكاك الاعتراف بها و بهويتها كأنثى و كامرأة أيضا و هذا يظهر خاصة في سلوكها الذي كان ينظر إليه بنظرة الشذوذ و الغرابة.
منها امتناعها عن ارتداء الحجاب فقد كانت تتجول في شوارع المدينة دون حجاب،أيضا مخالطها للرجال لتكون إماما لهم و شيختهم ( مما عرضها للاتهامات تمس الشرف )
لنعود بالتالي لنقطة ابن عربي و ارتباطها بأفكاره التي لا تربط الإيمان بالظاهر ولا ترى في المرأة أو شعرها فتنة أو عورة وجب درئها و هذه مخالفة صريحة للقراءة المحافظة أو القراءة المألوفة للنصوص الدينية من جهة و تحدي واضح للأخلاقيات العامة المتفق عليها من جهة أخرى.
فالإنسانية في الطريقة الشاذلية وحدة لا تتجزأ ولا فرق فيها بين ذكر و أنثى فالذكورة و الأنوثة تتلاشى عند الله .
فلا فرق عند السيدة المنوبية بين ذكر أو أنثى بل إن الفصل أمر عارض ،ففكرة المساواة هذه تطرح بدورها إمكانية أن تصل المرأة كالرجل للقطبية و هي أعلى درجات التصوف .
و القطب في التصوف هو رأس العارفيين و أعلى ما يبلغه الشخص في التجربة الصوفية و بلوغ السيدة عائشة لهذه المرتبة و سمو مكانتها يعد اختراقا واضحا للتقاليد الذكورية و حتى الصوفية التي كانت القطبية تقتصر على الرجال فقط ،و هنا يرى بشكل أقرب تأثير طريقة ابن عربي و ارتباطها بالسيدة عائشة و أفكارها فهو الذي يقول " كل مايصح أن يناله الرجل من المقامات و المراتب و الصفات يمكن أن يكون لمن شاء الله من النساء ". فهذا التأثير البالغ على السيدة جعلها تتقد بغمار الحرية و الجرأة و الثقة فهي التي كانت تخطب في الرجال و تأمهم أيضا فتصدح بجملتها الشهيرة " أنا سيدة الرجال أنا فارسة الفرسان" كذلك تقول " ان الله خلقني و أحبني و اني سيدة الرجال و إمامهم" ليتجاوز التصوف عند السيدة المنوبية التأويلات الدينية المحافظة " لا يفلح قوم وليتهم امرأة " التي حاولت إقصاء دور المرأة و التأكيد في كل مرة على دونيتها .
فكانت السيدة مثالا للمعلمة الشيخة الإمامة المرأة المتعبدة الصالحة التي لا تتعثر خطاها بافتراءات وإتهمامات بل الوصم بالجنون و اللاعقلانية ،فسمات الجنون بدل أن تقصيها أضحت مصدرا لولايتها يتبرك بها الناس و مشائخ التصوف كذلك تأثيرها لم يكن مقتصرا على هؤلاء فقط ( العامة أو رجال الدين ) بل الساسة أيضا و أعتاهم و أكثرهم شدة في ذلك الوقت ،فالكل كان يجلها و يهابها .
و لم يتوقف تأثير السيدة عند حياتها فقط ،بل استمر هذا التأثير و هذا المشروع بعد موتها ،فقد مثلت زاويتها في قريتها ( منوبة ) ملاذا أمنا لكل النساء المعنفات أو المشردات ،فهذه الزاوية اليوم تبدو كمؤسسة اجتماعية أو كدار رعاية تحتضن كل النساء اللواتي تلفضهن الذكورية أو عذبهن الفقر و الإحتياج .
خاضت السيدة حياة استثنائية مليئة بالصراعات و الأزمات ،و رغم بروز و تجلي بعض تفاصيل حياتها ،مازالت حياتها لليوم يشوبها بعض اللبس و الإبهام فليس غريباً إذن أن يسمى ضريحها بمدفن السر ذلك أن حياتها مازالت بحاجة للدراسة و التدقيق .
المراجع:
مناقب السيدة عائشة المنوبية تحقيق و دراسة الدكتور محمد الكحلاوي.
السيدة المنوبية من ألفها إلى يائها الدكتور عبد الجليل بوقرة.
حسن حسني عبد الوهاب شهيرات تونس .
إيمان السوداني
Website Design Brisbane
Tags: