Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

الحزن الأزرق : كيف صار الأزرق أزرقا

blue-color-history-egyptImen Soudani - إيمان السوداني

يورد ابن منظور في لسان العرب تحت مفردة "اللون": هيئة كالسّواد والحُمرة، ولوّنته فتلوّن. ولونُ كلّ شيء: ما فصل بينه وبين غيره، والجمع ألوان، وقد تلوّن ولوّن ولوّنه. والألوان: الضُّرُوب. واللون: النّوع. وفلان متلوّن، إذا كان لا يثبت على خُلق واحد. واللون: الدّقَل، وهو نوع من النخل. قال الأخفش: هو جماعة واحدها لينة. وقال الفرّاء: كلّ شيء من النخل سِوى العجوة فهو من اللّين واحدته لينة.فكلمة لون إذن كلمة عربية صحيحة ليست بدخيلة ،لكن الغريب لم يعرف العرب القدامى اللون الأزرق بهيئته اليوم إلا بعد الاحتكاك بالغرب و ازدهار التجارة أو من خلال غزو / فتح الحضارات الأخرى و خاصة بوابة الأندلس .يبدو أن العرب قد خلطوا بين اللون الأزرق كما نعرفه اليوم و اللون الأسود أو اللون الرمادي و اللون الشفاف أحيانا أخرى فنجد بيت شعر لامرؤ القيس حيث يقول : أيقتلني و المشرفي مضاجعي ..و مسنونة زرق كأنياب أغوال : فالزرق هنا صفحة للرمح و منها جاءت كلمة مزٍراق للدلالة على الرمح في بعض أصقاع المغرب العربي .


و تقول العرب شيء أزرق كنصل الرمح اي يكون اللون يميل إلى الرمادي ،أيضا يقال عين زرقاء اي في سوادها شي من البياض .

أما في نص القرآن فاللون الأزرق ورد في موضع واحد فقط في سورة طه 102 في قوله " يوم ينفخ في الصور و نحشر المجرمين زرقا" و هنا حسب الشروح فالزرقاً صفحة لهيئة السواد التي تكسو وجوه "المجرمون " من شدة العذاب و هول ما رأوه.

الجدير بالذكر بأن ليسوا العرب وحدهم لم يعرفوا اللون الأزرق بهيئته اليوم فكل الحضارات و الثقافات القديمة أيضا باستثناء الحضارة الفرعونية لم يدركوا اللون الأزرق مطلقا حتى أننا لا نجد لفظة لون أزرق في اللغات القديمة و إن وجدناها فتبدو كدلالة غير مستقرة و حينما حاولت اللغات المتولدة عن اللاتينية معرفة و تسمية هذا اللون فقد استعارت الصفة عن اللغات الجرمانية ) Blau) .

كذلك دينيا لم يحظ اللون الأزرق قديما بأي أهمية في الكنائس أو المعابد أو غيرها حتى انه لم بذكر مطلقا في التوراة و يرجع هذا التجنب أو لعله المقت إلى رمزية هذا اللون فقد اعتبره الرومان رمزا للبربرية و الأغراب كذلك تدل العيون الزرقاء على الشؤم و الشر ،الغريب أنه الأمر نفسه بالنسبة للعرب و علاقتهم بهذا اللون .

*الاسثناء الملهم: الأزرق الفرعوني:

في حين كانت أغلب الحضارات تمقت هذا اللون و تتجنبه كانت الحضارة الفرعونية هي الاسثناء فقد كان مرتبطا بالميثولوجيا الخاصة بالالهة ،فتورد الأساطير الفرعونية أن الاله أتوم ( اي التام أو الكامل ) كان لديه شعر أزرق كسى به نفسه حين خلق نفسه بنفسه ثم خلق الكون ،ليصبغ هذا اللون لون النيل و السماء و البحر بما انها مكونات الحياة التي خلقها الاله انفا ،كذلك يوجد العديد من الالهة الأخرى التي تحمل شعر أزرق كالالهة ايزيس و كذلك امننت .فارتباط هذا اللون بالآلهة جعل منها لونا مقدسا يحمل دلالات حماية و جذب الخير و السلام .

*اللون الأزرق: اختراع فرعوني :

استطاع الفراعنة استخلاص صبغة مكونة من النحاس وأكاسيد الحديد والسيليكا والكالسيوم، وهي مزيج من رمال يعتقد أنها من مناطق محددة بالصحراء والحجر الجيري المسحوق (كربونات الكالسيوم) مع شظايا من البرونز أو النحاس يتم تسخينها وصهرها في درجات حرارة تتراوح بين 850 و1000 درجة مئوية لتكون في النهاية الأزرق المصري،ففي حين كانت بقية الحضارات لا تعرف شيئا تقريبا عن اللون الأزرق ،كانت المعابد الفرعونية تعج بالجداريات و الأوان و كذلك التيجان المكسوة باللون الأزرق ( لعل أشهر هذه التيجان تاج الملكة نيفرتيتي الشهير).

*تصالح العالم مع اللون الأزرق :

يمكن تحديد لحظة تصالح جل الحضارات مع اللون الأزرق في القرن الثاني عشر ،حينما تم إلباس تمثال العذراء معطفا باللون الأزرق و منذ ذلك الحين اصبح هذا اللون يحظى بمكانة سامية عند الغرب المسيحي و من ثمة لكل ثقافات العالم الأخرى ،فأصبح هذا اللون يسترجع الوصايا لليهود ( له صلة طبعا باللون الأزرق في العلم الاسرائيلي )
أما بالنسبة للمسلمين فقد تأثروا أيضا بهذه النقلة التاريخية في فهم اللون الأزرق و معرفته فباتت الثقافة الشعبية تؤمن بقوة هذا اللون و روحانياته القادرة على الحماية من الشر و الحسد رغم القراءة الاسثنائية للون الأزرق بالنسبة إلى الطريقة الصوفية التي ترى طوائف منها أن هذا اللون يشير إلى النفس الأمارة بالسوء التي يجب دائما التغلب عليها و سحقها.

*الحزن الأزرق : سيكولوجية اللون الأزرق في الفن : بدأت "الفترة الزرقاء " في الفن في أواخر القرن الثامن عشر بدايات القرن التاسع عشر مع الفنان التشكيلي بيكاسو تحديداً بداية من 1902 فقد لونت جل لوحاته في تلك الفترة باللون الأزرق و الملامح النحيلة المذعورة ليصبح من بعده اللون الأزرق أسلوبا في التعبير عن الحزن و الألم و كل ما يصيب الإنسان من عثرات أو ازمات وجودية .

كذلك يبرز فان غوخ كأبرز و أشهر الذين استخدموا هذا اللون أيضا خاصة في ابرز لوحاته ،لوحته الأيقونية " ليلة النجوم " 1889 لتظل بعد كل هذه السنون أهم المراجع الفنية التي تشكل الشعور بالحزن و العجز .

لا يمكننا الحديث عن ارتباط اللون الأزرق بالحزن دون ذكر موسيقى "البلوز "  ( اواسط القرن العشرين ) فهي تعتبر من أبرز و أشهر الموسيقى العالمية و أكثرها انتشارا ،اما المصطلح فهو مشتق من كلمة "blue" الأزرق المتربط في غرب افريقيا بلباس الحداد و الحزن ،فهذه الموسيقى ظهرت نتيجة التمييز الذي لحق ب " الأفرو أمريكان " و ما عانوه من عنف و عنصرية ،ليكون البلوز أثر فني يجسد الاحساس بالعزلة و الحزن .

عموما ،على اختلاف سرديات معرفة اللون الأزرق و تأصيله لا أحد يمكنه انكار ما لهذا اللون من هالة تعبيرية ضخمة ،فقد كان دائما في ارتباط حقيقي مع الانسان مهما اختلفت درجات قبول الناس للأزرق أو كرههم له ،فقد ظل يحمل في دلالاته أساطير و ملاحم و روايات تدفعنا للنبش اكثر و لمعرفة أكبر .

إيمان سوداني
 الحزن الأزرق : كيف صار الأزرق أزرقا