Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

عن المعطف الأسود

woman-rainFatma Cherif - فاطمة الشريف

قدم شتاء آخر يا عزيزي من وراء الكرة الأرضية

قدم متعبا و متكاسلا و متواطئ مع الخذلان

كان يجب أن نكون سويا في مثل هذا  التوقيت من السنة

أ تذكر الوعد ؟ بأن تجالسني طويلا و تراقصني مطولا و بأن تحتضن يدي الصغيرة بين يديك و نحن ننتشي بصوت المطر و كل ما يحمينا مطرية سوداء تميلها ناحيتي و أدفعها ناحيتك و في وسط كل منا تقبع مخاوف كثيرة و رغبات أكثر و تضحيات صغيرة كانت أجمل ما نمتلك ...

لقد تخيّلت حينها ان الحب هو شي عظيم جدا ... و إكتشفت اليوم أن الحب هو كل تلك التفاصيل التي حدثت بيننا يوما دون تخطيط حقيقي أو مؤمرات دنيئة أو تواطئ مع الايام

وحده القدر كان يفعل ذلك معنا لكي نتألم أكثر فيما بعد

ترى أين أنت؟

اليوم هو الأول من شهر نوفمبر .. أذكر تماما ما فعلناه في مثل هذا  اليوم من السنة الماضية ... لقد أمضينا اليوم معا أمام قهوة أعددتها من أجلك .. و حديث ساحر افتككته منك عنوة
لم يسبق أن حدثتك عن تعب افتكاك الاعترافات منك ؟

لقد كنت رجلا عنيدا و كتوما و مُحبطا لكل  مجهوداتي العشقيّة و كنت تستمتع باغلاق شفتيك على الأسرار و كنت تمتنع عن الحديث بتهمة أنني فتاة ثرثارة و أنني ديكتاتورية جدا و لا أصلح لحفظ الأسرار

و كنت أنا فتاة متهوّرة أدخل عوالمك السريّة بكثير من المرح الذي لا يليق بهيبتك و أرستقراطيتك .. كنت أقتلع منك الكلمات كأنني أكسر حائطا من الصوان .. و كنت رجلا ساديا تضحك حتى البكاء حين ترى عصبيتي و دموعي و انكسار نفسي .. عملت جاهدة على نيل ما أريد من الاعترافات شتاءا ربيعا صيفا و خريفا .. و نلته ذات صباح .. اعتراف جميل مصحوب بورود و دعوة على تناول قهوة .. كان اعترافا رائعا .. و كان يحمل في ثنياته وعودا أتذكرها الى الآن مع انها حدثت منذ زمن بعيد نسبيا ..

عاد الشتاء و لم تعد أنت .. و وجدتني وجها لوجه مع صدى صوتك القادم من ذلك المكان البعيد و صور نسجتها خيوط الامنيات في مخيلتي و تكهنات خابت كلها و ضرب بها الشتاء عرض الحائط .. و وجدتني اليوم أسير وحيدة تحت المطر مبلّلة مرمّلة و يتيمة ...

لأتعرّف على وجه جديد للشتاء المحبب الي قلبي و أكتشف أخيرا انه قاتم جدا من دون حضن نتكأ عليه .. لقد كان صديقي محقا فيما يخص هذا الأمر الشتاء ظالم جدا ان عاد ونحن وحيدين

كم كان معطفك الأسود مؤنسا لي ... لم أكن قادرة على الاجابة في السنة الماضية لكنني اليوم قادرة على ادراك أهمية التفاصيل ... لقد كنت رجل التفاصيل بلا منازع .. لم أتوقع أن سنة واحدة فقط قادرة أن تفعل بنا كل ما فعلت .. ولا أن لقفازاتك الداكنة و مطريتك السوداء و تخبئة كفي الصغير في جيب معطفك الدافئ كل تلك الأهمية .. مؤلم جدا أن نكتشف كل تلك الحقائق المريرة دفعة واحدة .. عاد الشتاء و لم تعد أنت .. ترى أين أنت ؟

بقلم 
فاطمة الشريف



عن المعطف الأسود