Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

عملية جراحية ناجحة

coeur-amour-nouveauSaida Jaafer - سيدة جعفر

و لا أزال أذكر ذلك اليوم الذي كنت فيه ملقاة علی الأرض طريحة الاسفلت و الأتربة ،في ركن ليس بمظلم بما فيه الكفاية حتی لا يراني أحد ! كنت تقريبا أمام الأنظار ،و المارة يجيئون و يذهبون أمامي و بجانبي و يكادون يدوسونني بأقدامهم ..ألا يكفي ما أنا فيه ؟

منسية ملقی بي في الشارع ،غارقة في دمائي ،دم أحمر ماجنتا قاتم..جسدي يكاد ينطق تأوها من شدة الألم ،ثقوب و خدوش بل و أخطر من الخدوش طعنات سكين و آثار خنق بالحبال علی مستوی رقبتي و الأسوأ إطلاقا ،صدري الأيسر مثقوب فارغ .. لو اطلعت عليه لرأيت الأرض الإسفلتية من تحتي و لوليت خوفا من هول المشهد ..

صحيح أن المكان كان شبيها بركن صغير مليئ بالحجارة و الأتربة و الغبار و دخان السيارات المارة ،و لكن هذا لم يكن مقنعا كفاية حتی لا تتم رؤيتي أو حتی ملاحظتي إن صح التعبير ! ،.كنت أری وجوه العابرين بجانبي و فوقي ، كنت بصعوبة ألحظ تعابير وجوههم الساخرة أحيانا و المتعاطفة أحيانا أخری ،و لكن لم لا تتوقفون ؟؟ قلت بصوت خافت جدا يكاد يكون همسا لا نداء استغاثة ! تابعت مناجات هؤلاء ذوي القلوب المتحجرة،بصوت يخفت مرة تلو الآخری حتی ،علی حسب ما أذكر ،أغمي علي .. .

بقيت مغمی علي لفترة أحسست أنها طويلة جدا ،كما لو كانت أشهرا أو ربما سنين ،أحسست أني دب قد ذهب في سبات شتوي لن يستيقظ منه البتة ،.بقيت علی تلك الحال إلی أن أحسست بشيئ ما بارد يلامس بشرتي الجافة المتسخة بالترات الملتصق بها دخان سيارات جعلها تبدو سوداء داكنة،.ظننت ما لامس وجهي مطر ..لكن ما إن فتحت عيني رويدا ،و بشق صغير فتح بين جفوني ،رأيت أحدهم يرشني ببعض المياه محاولا إيقاضي بشتی الطرق فمرة يرشني بالماء،مرة يطرق كتفي ،و مرة يلمس صدري المتألم بهدوء،تارة يقوم بتنفس اصطناعي ظانا مني غريقة مختنقة !! و كم تلذذت تلك اللحظة حين لامست شفتاه شفاهي المتشققة بمفعول العطش و الجفاف ،أحسست بشيئ من النعومة حط بسكون و سلام علی فمي ،و نعمت بتلك اللحظة ،أردتها أن تطول لدرجة أني لم أحرك ساكنة و ظللت متظاهرة أني ميتة حتی لا ينتهي ذلك النعيم المؤقت التي عشته وقتها .. و حين لم أتحرك ،أخذ يضغط بيديه علی صدري محاولا إيقاظ القلب الميت بداخلي ،غير منتبه للفراغ الخاوي علی مستوی منطقة صدري الأيسر،حين أصبح ضغطه قويا اشتد بي الألم فتحركت و تأوهت قليلا ،و فتحت عيني أوسع قليلا ،حينها استطعت أن أراه ،تنفس الصعداء أني لا أزال علی قيد الحياة حية أرزق .. رأيت فور فتح عيني وجها باكيا ،فرحا،خائفا ،مطمئنا،لم أر تلك التناقضات بأجمعها في وجه بشر ،منذ وقت أطول من طويل ،.ظللت أتأمل تفاصيل هذا المجهول ،ذي القميص الأبيض الشبيه ببدلة طبيب بيطري ،و ذاك الشعر و تلك الذقن تقطر دموعا لا أزال أجهل سببها ..ظل يجسني و يمسني و يتحسس أماكن بجسدي اختفی ألمها فور ملامسته لها،و حين انتبه لفراغ. صدري الأيسر شهق شهقة اهتزت لها نفسي بل و جعلتني أظن أني سأموت حينها ،أخذ بعدة كانت معه طول قدومه عندي لكني لم أعرها انتباها،و أخرج منها شيئا يشبه الإبرة ،بل هي إبرة،مرفوقة بخيط رفيع ،اتسعت عيناي و ارتعش بدني خوفا،أمسك بطرف الإبرة بين شفتيه و ربط بها الخيط و قام بعقده،ثم رأيت يده تقترب مني رويدا رويدا،أو بالأحری تقترب من منطقة صدري الأيسر الخاوية،. بعد أن وضع بها قلبا كان قد وجده مرميا بالقرب مني ،أظنه لي،.أخذ يخيط .. .

و بدأت أتأوه و أتألم بشدة ،لكنه كان يحاول جاهدا أن يتناسی تأوهاتي التي بدأت بمرور الوقت تتحول إلی صراخ بكل ما للكلمة من معنی ،.إذ كنت أحس بطرف الإبرة يدخل و يخرج من طرف قلبي الآخر مسيلا معه دما ،ظللت علی تلك الحال قرابة نصف ساعة،لم أحس بها حين رأيت ذلك المجهول الذي كان شبيها بطبيب في حلته البيضاء الملائكية ، بجبينه اللامع المتعرق يقطر عرقا امتزج بدموع مالحة ،كنت أری العرق ينزل من علی جبينه إلی أن يصل لمستوی العيون فيمتزج بالدموع الملحية و تنزل سويا حتی تقطر علي كقطرات مطر في صيف ساخن ،.كنت أتألم لدرجة أن كاد يغمی علي مجددا ،إلا أني ما فتئت أن استيقظت علی صوت صراخه يقول " تمت العملية بنجاح حبيبتي ! " تفاجأت لكن تفاجئي ازداد حين أخذ هذا الشاب في احتضاني بقوة لدرجة أن يكون اعتصارا من شدة قوته ،ثم حط علی شفاهي يقبلها بقوة و الدموع منهمرة كشلال من عينيه،فقط من شدة حرارتها ،استطعت أن أتذكر،أن أسترجع هذا الوجه الباكي الذي داوی ما بي ،هو #هو ،.حينها طفقت أبكي و بادلته الإحتضان ،.أقوی ،بالرغم من أن جزءا من ذاكرتي لم يستطع تذكر ما حدث ،لكن الأهم أنه تذكر من عالجني .. .

بقلم سيدة جعفر

عملية جراحية ناجحة