Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

طقوسي المسائية

solitude-soirNaouras Dhouib - نورس ذويب

مختلف جدا هذا المساء .. حافظت على طقوسي المسائية طبعا.. قهوة ضاعفت مرارتها.. موسيقى تسرقني من حرب الشياطين إلى حفل الملائكة .. كالعادة أسافر قليلا بين طيات رواية .. لكن هناك شعور غريب يجتاحني هذه الليلة.. يعزف على وتر الماضي ينفض الغبار عن ذاكرتي ويعيدني إلى أيام خلت..

ولأنني أعيش غربة روحية وسط الحشد الذي يحيط بي من كل جانب.. العائلة في البيت... الأصدقاء في المعهد .. الجيران و أبناء الوطن في الشوارع .. ورغم هذا أشعر أن هناك أحدا ينقصني ستجتمع فيه كل أدوار هؤلاء ..

قررت أن أفتش عن نفسي التائهة بين تناقظات هذا العالم وعزمت بجد على أن أقضي الليلة في سينما حياتي و أشاهد فيلم طفولتي .. عزمت على السفر إلى ماقبل 11 عاما..
مناسبة كهذه يلزمها تحضيرات تليق بعمق ألمها.. ف قهوة ثانية.. الكثير من الأوراق نشرتها فوق مكتبي.. قلم ينزف من القلب ليدون فترة البراءة التي سرقت مني فجأة .. فتحت حقيبة الذكريات.. سيناريو قديم يعبر مخيلتي .. صور جسدت أجمل مكان عشت فيه وأجمل أشخاص عشت معهم و أجمل فترة عشت فيها..

ومع كلمات فيروز "طيري ياطيارة طيري ع ورق وخيطان.. بدي أرجع بنت صغيرة على سطح الجيران.. وينساني الزمان " ليته الزمان ينسى الجرم الذي اقترفته بحق طفولتي . .
قبل 11 عاما كنت طفلة بريئة .. لم ترى من الحياة سوى 7سنوات من الرغد و الفرح.. كانت تضحك فقط لغباءها .. كانت تظن أن الحياة ستبقى جميلة دائما..

لم تكن تعرف سوى بعض الجيران الطيبين .. الأصدقاء التي كانت تجوب معهم الملعب المجاور لبيتها الواسع الجميل والذي يشبه كثيرا في معماره البناءات العتيقة القديمة التي تحيي التاريح والمجد .. و الذي أصبح الآن متحفا يحتضن ذكريات 7سنوات ..كانت تعيش في مدينة يطيب ذكرها منذ القدم.. عاصمة الأغالبة ومنبر الإسلام.. القيروان كانت الأرض التي تخبأ كل ماضيها..
ذات صدفة خبيثة.. تغير كل شيء ولأسباب داخلية لم يكن لها ذنب فيها غادرت.. حيث انتقل والدها إلى مدينة ساحلية بعيدة . فالشرطي لا يرضى أن يقتصر شغله على حماية جزء من وطنه عليه أن يجوبه شبرا شبرا لعله ينال رضا الوطن...

انتزعت من مسقط رأسها ك زيتونة قطعت لكنها لاتزال لها جذور في عمق الأرض..

أذكر يوم رحيلنا بأدق تفاصيله.. بكيت كثيرا.. بكى أخي.. بكت جارتنا الطيبة.. حتى السماء كانت تشاركنا البكاء طوال الطريق.. كما أصدرت صراخا مخيفا كأنها بصدد معاتبة أبي ووزارة الداخلية التي انتشلتني من وطني الصغير -ذاك الحي - لتلقي بي في مدينة لا أعرف عنها شيئا ..

غادرت يومها.. وتركت بيتي الجميل لأسكن شقة في طابق علوي موحش خلته سجنا..

رحلت وتركت صديقتاي مودة وأمينة.. تركت الملعب والصبية و سطح الجيران.. تركت في كل شبر من تلك المنطقة ذكرى جميلة وانتهت سنوات الهناء هناك لتبدأ سنوات الشقاء في هذه المدينة التي يطغى عليها الطابع الإستعماري.. معماريا وفكريا .. هذه المدينة تعم بضجيج يزعج هدوء طفولتي ويدخلني مرحلة مراهقة صاخبة ..

الآن أصبحت فتاة ال 18ربيعا .. ولازلت أقف بين الذكرى والأخرى على أطلال الماضي.

لا الطفولة تعود و لا القيروان أزورها ولا هذه المدينة أغادرها..

و القدر لايكف عن صفعي..

نورس ذويب
طقوسي المسائية