Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

الجدار

conflict-generationsAmal M. - أمل م.

كان يا مكان، في قديم الزّمان، قريتان بين الأرض و السّماء يفصل بينهما جدار من ذهب. كانت احدى القريتين ظلماء باردة لا تشرق فيها الشّمس أبدا، و أمّا القرية الأخرى، فكانت قبلة جهنّميّة لا تغرب عنها الشّمس أبدا. و كان يعيش في القرية الباردة رجل عجوز يموت و يحيا كلّ يوم، و أمّا القرية السّاخنة، فسكنها طفل صغير لا يكبر.

و كان الاثنان يقضّيان القرون جالسين على سطح كهفيْهما يتأمّلان الجدار الذّهبيّ العظيم، فقال الطّفل في نفسه يوما "هذا الجدار هو هديّة من الشّمس لي. سأذيب الذّهب و أصنع به لي ساقين طويلتين و ذراعين عظيمتين."

و قال الشّيخ في نفسه:" هذا الجدار هبة الموت لي. سأصنع بالذّهب شرابا يمنحني شبابا أبديّا."

و بدأ الاثنان في حفر الجدار غير داريين بما يوجد في الجهة الأخرى، فكان العجوز يفيق من موته فيسرع إلى الجدار يحفره، ثمّ يكبر أكثر بعد سويعات و يموت مجدّدا، و امّا الطّفل، فكان يقضّي السّنوات يضرب بالحديد الجدار. و لكنّ العجوز لم يستطع صنع الشّراب لأنّ الذّهب الذي جمعه لا يذوب، و أمّا الطّفل، فلم يقدر على صنع الجسم الجديد لأنّ الذّهب ساخن جدّا.

و في يوم من الأيّام، أحسّ الطّفل ببرودة خفيفة آتية من الثّقب المحفور، فاقشعرّ جسمه، و التصق بالجدار مبهوتا حتّى لمحه العجوز فقال:

-" إليك عنّي أيّها العفريت الصّغير. هذا الذّهب لي، و سأصنع به شراب الحياة."

فقال الطّفل:" ما أنت؟ انصرف عنّي. هذا الذّهب لي، و سأصنع به ما يجعلني كبيرا مثلك"

فقال العجوز:" مالك صغير الحجم؟ و مال صوتك حادّ مفعم بالحياة؟ أسقني ممّا تشرب."

فقال الطّفل:" إنّ هذه الشّمس تمنحني الحياة. و لكنّ جسمي ضعيف، و أنا وحيد في هذه الأبديّة البائسة."

قال العجوز:"اسقني ممّا تشرب."

قال الطّفل:" اسقني أنت ممّا تشرب."

فغضب العجوز و صاح:" أيّها العفريت اللّعين. سآتي إليْك و أفتكّ منك شمسك."

فصرخ الطّفل بسخط:" سآخذ منك بردك!"

و استمرّ الاثنان بحفر الجدار حتّى صار به ثقب كبير، فأحسّ الشّيخ بالشّمس تلفح روحه، و بجسده يصغر شيئا فشيئا، ففرح و قفز إلى الجانب السّاخن قائلا:" لن أموت بعد الآن أبدا.."

و أحسّ الطّفل بالبرد يشدّ أضلاعه، فزاحم الشّيخ داخل الثّقب حتّى وصل إلى الجانب البارد قائلا:" سوف أكبر و لن أشعر بالضّعف أبدا"

و اذا بثقب الجدار ينسدّ شيئا فشيئا حتّى اختفى. و لكنّ الطّفل انشغل بجسده النّاضج ، بينما انشغل الشّيخ الصّغير بنور الشّمس.

و فجأة، أحسّ العجوز بجسده يتشمّر فأضحى طفلا من جديد، ففرح، فحين طال به الحال صاح :"ويحك! لم تخبرني أنّك لا تكبر أبدا! لقد خدعتني!"

و صاح الطّفل العجوز و قد أحسّ بجلده ينكمش:"ما هذا؟ لم تخبرني أنّك تفنى. لقد كذبت عليّ!"

و تبادل الاثنان اللّعنات حتّى يئسا، و لم يعرفا طعم الحياة أبدا.

أمل م.
الجدار

Vous pouvez lire aussi