Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149

احرصوا على الاحلام

amour-mariage-tunisieEya Ben Gh'nia - آية بن غنية

كانت يده تجرها ببطء ، تشدّ يدها بحماس و يلتفت اليها بين الحين و الآخر بعينيه الباسمتين .

قلبها يخفق بشدّة ، توقفا أمام باب الشقة و نظر لها :< ها نحن يا غادة ، هذا هو المكان الذي وعدتك أن تحققي فيه ما تمنيت من قبل >

لم تقدر على ان تجيبه ، كم بدت المسافة طويلة ، من المرآب الى باب الشقة ، باب حلمت بأن يفتح لها منذ زمن ، ستبدأ ما لم تقدر على انهائه ، بل ما لم تقدر على البدأ فيه من قبل .
في أول غرفة ، دخلت لتتجه كل الأنظار لها ، امرأة في الثلاثينات صحبة اشهر طبيب في المنطقة ، الجلسة بدأت لتوها ، اجتماع رفقة طبيب نفسي، عالمة اجتماع ، مدربة تطوير ذاتي و ممثلة تلفزيّة معروفة ، اتخذت لها مكانا صحبة مجدي ، طبيبها الذي اصبح يرافقها في كل تنقلاتها .

عاد الكل بل صمت قصير لما كانوا عليه قبل دخول غادة ، امرأة اربعينية جالسة على كرسي ملكيّ ، يتمكن كل الحظور من مشاهدته بوضوح ، وهي تقص كل ما مرت به ، و احلامها التي افلتت وهي تتخبط بين براثن الزمن ...

جاء دور غادة ، تسمرت في مكانها عندما نادتها الطبيبة ، مسك مجدي يدها كعادته ، نظرت له بعينين تائهتين ، نظرت لذلك الكرسيّ المهيب ، و قامت بخطوات غير ثابتة . جلست ، و نظرات مجدي تلاحق عينيها ، لذلك الرجل هالة من الطاقة يبثها لغادة في كل مرة شعرت فيها بالضياع . صمتت طويلا  ، ارتبكت ، تشابكت اصابعها ، نظرت كثيرا الى البلاط ، ثم بدأت تتخلص من الكلمات بمخاض عسير :

أنا غادة ... ولدت بأحد الارياف الجبلية ، بين الصنوبر و البلوط قضيت طفولتي ، درست رغم الريح التي كانت تعصف بحقيبتي الصغيرة و تغرق ساقاي بالوحل .

كنت مولعة بتأمل الطبيعة ، هي ملهمتي و مهربي .

عند دراستي في المرحلة الثانوية ، اضطررت لبيع الأواني الخزفية  للسياح في الطرق السياحية على ارصفة الطرق السياحية  ، ساعدتني امي بذلك ، فقد اضطررت لشراء الة تصوير لامارس هوايتي ، و كان ابي موظفا بديوان الغابات ، لم ارد ان اثقل كاهله بطلب كهذا فقد كنا عائلة جد عادية بمنطقتنا  ، لم نكن فاحشي الثراء و لا متقعي الفقر ، ابي رجل شرقي بامتياز ، و كان انجازا عظيما انه اتاح لنا الفرصة بالدراسة ، وكان شديد التأثر بآراء اخوته و ابنائهم و كامل "العرش" كما كنا نسميهم  ، و من هنا بدأت القصة بالفعل ..

محرز ، ذلك البغيظ الدميم ، ابن عمي الاكبر الذي كان  دوما ينصّب نفسه وصيّا على الاخلاق الحميدة ، فقط بما يخصني انا ، اعلمني يوما انه يود طلب يدي .

لم افكر حتى و صفعه ردي البارد "ابداً" ، ربما صدم او اغتاظ ، لم يكن  يهمني الامر البتة ، لكنني لم اتخيل نفسي ابدا زوجة لذلك الرجل ، كانت بطنه مليئة بالجعة المتراكمة  عليها كل ليلة ، و اسنانه الامامية صفراء و احدها قد نخره السوس ليتحول الى السواد .


احس ان ذلك الموقف كان نذير شؤم ،  رغم اني نجحت في الباكالوريا بملاحظة  جيد  ،   الا ان المشاكل بدأت ..

لمتابعة دراستي بالتصوير باحدى جامعات الفنون ، اضطررت للانتقال للعاصمة ، غير ان محرز وجد الفرصة السانحة لنيل مراده ، تقدم في احدى السهرات العائلية ليذكر ان العاصمة مركز للفساد و الانحراف ، و ان الفتاة حتى ان لم تتورّط ، فستكون محل شبهة دائما ، الا اذا كانت مرتبطة . التفت والدي الي سريعا ، ارتبكت ، و اغتضت  ، لم استطع ان انبس بكلمة ، فأضاف محرز بكلمات لا يزال صداها يتكرر على مسامعي : " سأخطبك انا يا ابنة العم ، و لن يتجرأ احد على اصدار اية اشاعة ، بعد اذنك يا عمي طبعا !"

لم يجبه ابي بل اكتفى بالابتسام ، لكني علمت ان مصيري قد تحدد ، فدراستي مرتبطة بخطبتي من محرز ،  و حياتي مرتبطة حتما بدراستي ، فلا مفر لي من ان اقبل.

انتقلت الى العاصمة ،  الى كلية الفنون و المبيت ، اين وجت فسيفساء عريضة من المجتمع ، بشتى الوجوه و انواع اللباس وو الوان الشعر ، لم اكن ملفتة للاهتمام كثيرا ، بشعر اسود مجعد قليلا و طويل ، كثيرا ما كنت اسبل خصلات قليلة منها على وجهي و اجمع الباقي بقلمي الذي كنت انسى دائما انه مغموس بشعري و اقضي دقائق في البحث عنه ، و كانت اطلالتي شبه رجالية ، بسراويل الجينز و الاحذية الرياضية ، و لكن مع الكثير من الخواتم الفضية التي اعشقها ، كان املي النجاح و متابعة حلمي في الفن و التصوير الفوتوغرافي ، و تقديم معرض كبير يحمل مئات الصور .

يحرص ابي  على ارسال  مصروفي كل اخر اسبوع ، و كان محرز هو من يحضره لي ، كثيرا ما كان يضيف الى النقود التي تصلني مبلغا اخر ، لم اكن اريد ان اقبلها لكنه كان يصر ، و لم ارد ان استغلها ، لكني بعد مدة اصبحت استعملها لقضاء شؤوني الاضافية كشراء الملابس او مستحظرات التجميل ، كما لو كنت اتلذذ بتبذير نقوده.

لم اكن اقابله كثيرا ، مرة كل اسبوع اتعلل دائما ان لي فروضا عديدة لاعود سريعا لغرفتي في المبيت ، حاول مرارا ان يمسك يدي او يقبلني لكنني كنت اتعمد دفعه و كنت ارمقه بنظرات حادة . لا اعلم لم اكن له كل هذا الكره ، لكني كنت اعلم جيدا انه منافق و رجعي ، و ان روحه لم تكن نبيلة بالمرة .

توطدت علاقتي بشاب من احد الاحياء الفقيرة بالعاصمة ، طالب فنون تشكيلية ، كثيرا ما كنا نلتقي لنجول بشواطئ العاصمة و ضواحيها ، ليرسم هو ، بينما التقط انا صور الغروب ، لاعود بعدها سريعا الى المبيت قبل ان اسقط بمشكل مع المديرة .

لا اعلم كيف و متى  و لم ، كل هذه الاسئلة لم تعترضني كأنما خطوت سريعا نحو النهاية ، و احببت ماهر ، الذي كنت احدثكم عنه لتوّي ، احببته بجنون ، يشبه جنوني و جنونه  . اصبحنا نحلم طويلا بمسيرة فننا و نجاحنا ، لكن ، اختفى  ماهر دون ان يعلم عنه احد شيئا ، اختفى لأكتشف اني حامل بعد يوم .

كأنما قيدت بالاغلال ، لم استطع على التفكير في حل ، لم احاول التفكير في الاجهاض ، فثمرة الحب لا تعدم ، و لكن ما الحل .

عدت وانا ببداية شهر الحمل الثالث ، لم افكر بعد بمصيري حينها الذي يمكن ان يكون القتل ، لم استطع حتى تخيّل غضب والدي و"العرش"  و الفضيحة و العار .

قررت ان اخبر محرز و اواجهه ، و ألغي الزفاف ، لكن صدمتي بردة فعله بددت خوفي تماما ، كان بارد الاعصاب و نذلا بدرجة لم اتخيلها ، و اخبرني بعرضه الذي كان حسب تعبيره ملاذي الوحيد من الموت ، اراد مني ان اتزوجه و قرر ان يواجه الجميع بانه هو والد الجنين الذي كنت احمله بين احشائي ، لكن بالمقابل ساكون عبدة في منزله يفعل بي ما اراد متى شاء .
لا اعلم ان كانت لحظة ضعف مني ، ام انها لحظة قوة طاغية مني ، لاجيبه بالقبول بهذا العرض الرخيص ، لكني لم اكن افكر بشيء سوى التخلص من هذه المصيبة الجديدة ، فطلبت منه بغنج بنات ذات مرة مبلغ كبيرا من المال ، تعللت بتحضيرات الزواج ، و دسست  ذلك المبلغ ليلة زفافي بصرة الملابس التي حضرتها مسبقا لاهرب قبل الزفاف بساعة ، اذكر اني ركضت طويلا عبر الغابة ، كنت ارتدي لباس الزفاف التقليدي ، كان ثقيلا بكل مافيه من حلي ، و جنيني ايضا بدأ يضايق حركاتي ، فتوغلت بالغابة و بدلت ثيابي و رميت بها بالوادي ، و استمررت بالهروب ، لاستقل اول قطار باتجاه العاصمة.

لم تكن تلك نهاية المأزق ، فقد حاول محرز البحث عني ، و في الاثناء كنت قد اكتريت شقة مع فتيات يدرسن بكلية الحقوق ، تعللت بظروف صحية  حالت دون مواصلة الدراسة بتلك السنة و اني سأعود لمقاعد الجامعة في السنة المقبلة و بدأت في البحث عن عمل .

وجدت عملا باحدى المغازات ، لم اعلمهم بخبر حملي ، لكني أصبت بنزلة برد حادة الزمتني الفراش ، لم اعر الامر اهتماما لكن الحمى لم تفارقني ، رغم الادوية التي تناولتها ، فاتصلت احدى البنات اللاتي يشاركنني السكن بأخيها ، اخصائي بالامراض الفيروسية ، اجرى فحصه و سإلني عدة اسئلة و مع كل سؤال كان وجهه يمتقع اكثر ، و في النهاية اعلمني ان لا شيء خطير لكن علي اجراء بعض التحاليل المستعجلة للتثبت من سلامتي ، و كانت الصدمة يوم ضهرت نتائجها ، مصادبة بفيروس السيدا .

اصر الطبيب على اخباري بنفسه و قام بتهدأتي ، و وعدني بمتابعة حالتي و ما خفف عني ان الجنين لم يتأذّى ، كانت معجزة حقا .

لم الزم الفراش طويلا ، كان الطبيب يصطحبني كل يوم في جولة اما لشواطئ البحر او المقاهي و المطاعم ، كان شديد الحرص علي ، فسقط حاجز الكلفة بيننا ، و حدثته عن كل ما مررت به ، فسألني :"الازلت تحبينه؟" لم اقدر على الاجابة ، لم اسأل نفسي هذا السؤال حتى ، هربت من الزفاف كرها لمحرز ، لكني لم افكر بماهر البتة ، لم يفهم مجدي سبب تلعثمي الحقيقي ، لكنه حسبني قد خجلت من سؤاله ، و امسك يدي و اخبرني انه سيحاول جاهدا ايجاده .

بعد مدة قصيرة تمكنّا من معرفة اخبار ماهر ، بعد نشر صورته مع ثلة من .... "الشهداء" ، "الارهابيين" ، بل لنقل القتلى  .

علمنا من عائلته انه علم انه مصاب بفيروس السيدا باحدى مراحله المتقدمة ، لكن المرض لم يكن بادٍ عليه ، فقرر الهروب و الالتحاق باقرب طريق للموت ، اعلم انه لم يكن يؤمن بالاديان ، كان يحب الله و الفن و الحياة و الحرية ، لكنه ما ان علم بما اصابه حتى ماتت كل احلامه ...

تعكرت حالتي ، تراجع العلاج اشواطا ، لم اعلم السبب ، لكن حزني على ماهر ، الشاب الطموح ، لا الحبيب ، كاد يقتلني  .

مجدي ، منقذي كالعادة ، وقف الى جانبي ، كان يذكرني دوما بطفلي الذي بدأت احس بتحركاته ببطني  و مسؤوليتي تجاهه ، كان ذلك الملاك الذي لم ار وجهه بعد املي الوحيد المتبقي .
تحسنت صحتي باشهر قليلة ، و شارفت الشهر الثامن ، كان التفكير بمصيري و جنيني هو ما يشغلني طوال الوقت ، و فاجئني طلب هو الاغرب ، طلب مجدي يدي !!
نعم ، طلب يدي ، انا الام العازبة المنقطعة عن اهلها ، التي يمكن ان يعرض نفسها للتشرد ما ان تنفذ نقودها ، و المصابة باخطر فيروس

.
لم استطع تصديق ما سمعت ، خلته يمزح او يحاول كعادته احياء الامل فيّ ، لكنه كان جادا ، بل و حريصا جدا على الزواج

.

لم اكن احبه ، لكني كنت احترمه و اشتاق اليه و اضحك كثيرا بصحبته ، هل كان كل ذلك حبا؟

لا اعلم ، لكني  اعلم الان انه زوجي منذ سنة ، بدأ ابني بالكلام لينطق "بابا" و ارى الفرحة بعيني مجدي ، جعلني اصل الى اقصى درجات السعادة التي حلمت ببلوغها يوما ، و اليوم انا بينكم ، لاشارككم سعادتي ، و حلمي الذي رفض مجدي ان اتخلى عنه ، فمعرضي الفوتوغرافي يقام بعد اسبوع ، و عائداته ستكون كلها لهذه الجمعية ، و الاهم ، احرصوا على الاحلام. "

آية بن غنية
احرصوا على الاحلام