Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
مقبرة الذاكرة
أقف الآن على عتبة مقبرة الذاكرة، أحاول أن أنبِش ما تبقى من ترسبات علقت في ذهني من حياتي السابقة و لكني لا أتذكّر شيئا... قد يبدو الأمر و كأنني فقدت الذاكرة و لكن الأمر أعمق من ذلك بكثير... أنا ميّتة... أجل... لقد غادرت الحياة و لكن ليس نحو العدم بل نحو بعد آخر من أبعاد الوجود... لست حزينة و لكن فقدان صلتي بذكرياتي يقلقني... أشعر و كأنني حاضر دون ماض و الحال أن الأمر لا يستقيم ... أشعر
و كأنني رضيع حديث الولادة و لكنني في الحقيقة لست كذلك ... ربما لا أريد العودة إلى الوراء بيد أنني في حاجة إلى عبق الذكرى فرائحة الموت مازالت عالقة في أنفي...أحتاج على الأقل أن أشعر ببقايا الحياة التي عشتها في إنتظار وصول القطار الذي سيحملني بعيدا...لقد أخبرني الشيخ ذو اللحية البيضاء أن قطارا ما سيقلني إلى المكان الذي سأقيم فيه من الآن فصاعدا... أخبرني أيضا أنني لن أكون في حاجة إلى إقتطاع تذكرة سفر و أن السائق سيتوقف بمجرد رؤيتي... لقد أشار الشيخ الغريب الأنيق كذلك إلى أنني في غنى حتى عن إسم يميزني عن البقية... فأنا منذ اللحظة الراهنة "حواء"... " حواء" و حسب...
يبدو المكان هنا هادئا... في أركانه شيء يبعث في روحي السكينة... لقد بدأ شعوري بالضياع يتبدّد شيئا فشيئا... حتى أنني لم أعد أشعر بالحاجة إلى الذكريات... ها أنّ أنفاسي تتجدّد و السقم الذي كنت أحسه يختفي تماما... أظنّ أنّ قطاري على وصول فصوت صفارته يتناهى إلى مسامعي من بعيد... فعلا... ها أنني ألمحه بل ها أنني أصعد على متن إحدى عرباته و إذ بصوت دافئ حنون يخاطبني قائلا " مرحبا بك بيننا يا حواء"... يروقني إسم حواء كثيرا و لم أعد أرغب في تذكر إسمي خلال حياتي السابقة...
رفعت نظري إلى السقف أبحث عن مصدر الصوت و إذ بفتحة في أعلاه ينبعث منها نور سرمدي لم أر مثيلا له... إنه نور يفوق في رقة خيوطه و بريقها رقة
و بريق خيوط الشمس وقت الدجى... ما إن عانقت نظراتي خيوط الضوء تلك حتى هدأت فرائسي التي كانت ترتعد و حلت الطمأنينة محل الخوف من السفر على متن هذا القطار الغامض نحو وجهة مجهولة... يبدو أن رحلتي هذه ستكون ممتعة أكثر من ما توقعت... تقدمت نحو أحد المقاعد الشاغرة و لكنني فوجئت بوجود شخص آخر يجلس هناك... هذا الوجه مألوف بالنسبة لي... إنه جدي المتوفي منذ أربع سنوات و لكنه لا يبدو مسنّا... لقد عاد جدي إلى ريعان شبابه... أعرفه جيّدا فقد شاهدت صوره القديمة مرارا و تكرارا حين كنت حيّة... لكن، مهلا!
لقد تذكرت أن هذا الرجل الذي يقاسمني القطار يكون جدي!! أتراه يتذكرني بدوره ؟!... هل سأعود طفلة مثلما عاد جدي شابا؟!... يبدو أن هذه الرحلة نحو العالم الآخر تزداد إثارة فإلى لقاء قريب!!
منال عبد الوهاب الأخضر
Website Design Brisbane