Notice: Undefined variable: relatedArticlesCount in /home1/datalyz/public_html/tounsia/plugins/content/tags.php on line 149
شيزوفرينيا #3
بدى إبحارها الأول على موقع تعلم اللغة اليونانية جيدا و مبشرا بالخير... فالتطبيق الذي تعتمده إدارة الموقع مبسط جدا بالنسبة للمبتدئين و أمام صعوبة اللغة....
مرت الساعة تلو الأخرى و هي تراوح بين إتباع خطواتها الأولى في تعلم اليونانية و بين العمل إلى أن حل وقت تناول الغداء.... ستغادر المكتب نحو أقرب مطعم لأنها ستضرب موعدا بعد ذلك مع التسوق و من ثمة عليها أن تلبي نداء جلسة العلاجي النفسي الذي تتابعه منذ مدّة...
إختارت اليوم أن يكون طعامها تقليديا... لم تكن في حاجة إلى تذوق طبق جديد... و كأنها قد إكتفت من الجديد بتعلم لغة جديدة....
أحضر لها النادل طبقا من الأرز المعدّ على الطريقة الآسيوية التقليدية ترافقه قطع دجاج بطعم صلصة الصويا... لقد إعتادت على تناول هذا الطبق رفقة صديقتها آسيا المهووسة بالثقافة الآسيوية...حتى أنها ستمضي شهر عسلها في جزيرة "بالي" الأندونيسية.... تشتاق صديقتها أيما إشتياق و تدرك أن عليها أن تتأقلم منذ اللحظة مع فكرة إنشغال صديقتها عنها بحياتها و إلتزاماتها الجديدة.... تراسلتا هذا الصباح
و أخبرتها العروس أنها تنتظر السفر إلى أندونيسيا بفارغ الصبر و أنها تتمنى لو تكون هي رفيقتها في السفر عوضا عن زوج المستقبل.... مضحكة فعلا هذه الفتاة... طيبة و نقية و قوية في ذات الآن.... هذا المزيج يجعل كايا تشعر بحاجة ملحة و دائمة لوجود آسيا في حياتها... ربما لأنها تفتقر للقوة التي تراها في صديقتها و تلتمسها في أدق تفاصيلها و أبسط تصرفاتها... نظرت في الساعة التي تزيّن معصمها فأدركت أن الوقت قد حان كي تتحرك من أجل إتمام أمورها العالقة...
ها قد إنتهت كايا من إقتناء حاجيات المنزل المنقوصة و إشترت سترة جديدة تتمنى أن تنال إعجاب والدها الحبيب... لم تنس أيضا أن تهنئ عمها بعيد ميلاده عبر مهاتفته.... تسارعت عقارب الساعة و إقتربت الساعة الرابعة بعد الزوال موعد جلسة العلاج النفسي الأسبوعية التي لطالما إنتظرتها بفارغ الصبر... أمامها أربعون دقيقة كي تعود إلى المنزل كي ترتب ما إبتاعته من أغراض و تغير ملابسها و تقصد عيادة الدكتور عمر... قرّرت أن تتحدى نفسها و أن ترتدي فستانا... لقد تحدثت الأسبوع الفارط مع طبيبها عن تعمدها عدم إرتداء الفساتين و عن ميلها المقصود إلى إخفاء جمالها و تجاهل أنوثتها الطاغية... لقد إعترفت له أنها لا تريد أن تبدو جميلة حتى لا تثير إعجاب أحدهم فيقع في غرامها و تبادله الحب.... إنها تخشى الوقوع في الحب لأن حب والدها لوالدتها جعله يتألم... و مازال يتألم بسبب هجران حبيبته له.... و لأن طباعها مطابقة تماما لطباع والدها، فإنها تكاد تجزم أن حظها في الحب سيكون مثل حظه... أخبرها الدكتور عمر بأن أول خطوات التخلص من الألم النفسي تكون بالتصالح مع الذات... عليها إذن أن تتصالح مع ذاتها و مع أنوثتها كي تجد السبيل نحو التصالح مع الحياة برمتها.... فتحت أبواب الخزانة على مصراعيها و أخذت تبحث بين الرفوف عن فستان ما.... لا تتذكر أنها تملك واحدا
و لكن ربما تكون قد تلقته في شكل هدية.... ها قد تذكرت أن آخر هدايا آسيا لها كان فستانا صوفيا أزرق مائيا... عثرت على الفستان أخيرا فقد كان مختبئا بين ملابسها الشتوية... إرتدت الفستان و أسدلت شعرها الأسود الطويل لينسدل على كتفيها في سلام و هدوء مذهلين... لأول مرة في حياتها ترى جمال و عمق عينيها... ربما لأن لونهما الأزرق يتماشى بإطناب مع لون الفستان.... لأول مرة في حياتها تشعر بجمالها و لا تخشى هذا الشعور.... لونت شفتيها بلون قرمزي خفيف يعفيها ألقه من إستعمال أي شكل آخر من أشكال الزينة... إرتدت معطفها الكشمير الرمادي و حذاء ذا كعب عال ترابي اللون و حقيبة كلاسيكية التصميم في نفس لون الحذاء... وضعت عطرها الفرنسي المعتاد Coeur de nature _ قلب الطبيعة... إنه عطر فرنسي عريق إعتادت إستخدامه مذ كانت طالبة في
جامعة جوزيف فورييه بغرينوبل الفرنسية... حثت الخطى و هي تصعد الدرج المؤدي إلى العيادة... لقد تأخرت على موعدها مع الطبيب لأول مرة.... إنها ضريبة الأناقة لا محالة... أعلمتها الممرضة أنه في إنتظارها فأسرعت تطرق الباب... جاءتها الإجابة سريعة بصوت الدكتور عمر الذي لم يستطع إخفاء إنبهاره بجمال مريضته " كايا الشيخ " حين فتحت الباب و وقفت أمامه في كامل ألقها و أناقتها و هي تقدم إعتذارها على التأخير.... وجد نفسه يقول دون سابق إصرار " هذه هي كايا الحقيقية التي رأيتها مختبئة منذ جلستنا العلاجية الأولى"... يبدو أن ما يشعر به عمر تجاه كايا يتجاوز مجرد شعور طبيب بالتعاطف مع مريضته... إنه شعور يفوق حتى شعور الصديق نحو صديقه... أتراه الحب الذي يدق أبواب قلوبنا دون سابق إنذار؟....
Website Design Brisbane