مسافرة..

femme-voyage-seuleSyrine Rhouma - سيرين رحومة
أدخل بهو المطار  بعد رحلة بحث طويلة بخطى غير واثقة, يدفعي الشّعور بالحرمان الى الأمام وصوت ما في داخلي يقول لي "لا ترحل" . في تلك الضوضاء ,تعود بي ذاكرتي اللّعينة الى أيّام خلت ,الى ذكرى صديق علمّني كيف تكون الحياة, الى قصّة حبّ عشتها تعجز وصف تفاصيلها الكلمات , الى أماكن ترعرعت فيها, الى أناس أعتدت في الضّيق أن أشاكيها ... و هكذا..

رحت أتملّق وجوه الحاضرين الشّاحبة, حقائبهم ضعف عددهم و كأنّ بها أشياء أثمن من التّي تركوها خلف باب المطار,  يتشاركون دموعا , يلقون وعودا شبه زائفة , يتعانقون , يستنشقون ما في ثياب الاخر من رائحة الوطن المودَّعِ, ثم  سلام فشوق فحنين..نظرت الى ساعتي فوجدت الوقت لا زال مبكّرا وقد طال انتظاري هنا ,و كأنّ عقارب ساعتي التّي اعتادت أن تسرع في أجمل اللّحظات  تمنعني من الرّحيل  أيضا ...

أكره هذا المكان , لأنّه مزدحم كأزدحام قلبي  بالشجن الان ,لأنّه ضيق بضيق وطني لأنّه يفرّقني عن أحبّتي ويقرّبني من لحظات غربتي .. و هكذا.. لكن .. ليس هناك طريق اخر و ليس هنالك أمل!! و ليس بيدي من عمل !!, يئست البحث عنه و الان حان وقت الرّحيل!!

أمسك أوراقي و أجر حقيبة الخيبة خلفي , ثم دلفت الباب الأخير.. و هنا ضحك القدر , و بكى فؤادي الذّي اختار أن يتركني لأسافر وحدي .. نظرت خلفي نظرة أخيرة ثو أستأنفت خطاي و هنا انتهت رحلة البحث عن الوطن الحرّ الذّي باغت أحلامي نفذ صبري من انتظار لقاء هذا الوطن الملعون الذّي لا يأتي أين أنت؟ ..

نادني , فقط نادني بصوتك الذّي لطالما سمعته في منامي يحاكيني ,ناديني باللّه عليك ناديني, قلّي أنّك هنَا , بشّرني أن لي وطن لا أعيش فيه مغتربَه قلّي أنّكّ عدتَ , أنّ شعبكَ لم ينسى خيركَ أنكّ تحررّتَ , أنّك لن تشكوَ بعد اليوم و بعد الغد و أنّك بالحريّة حفلتَ , ناديني يا وطني , امنعني من الرّحيل , أُمُر أشجارك أن تشبّثني بجذورها , داعب قلبي الحزين و اتّسع بقدر أحلامي التّي حلمتها على ترابك و أوقف هذا الزّمن اللّعين ..  اوشكت الطّائرة أن تقلع .. أين أنت ؟ أنت لا تسمعني .. فامّا قتلوك أو أنّك لا تنوي أن تعود وترحم عاشقك المسكين ..لذا

أنا مسافرة الى حيث سأبكيك حنينا.. ..  الى حيث سأرثيك لوعة ..الى حيث سأبحث عنك في الناس , في الاماكن , وروائحها .. في البحور  و المحيطات و بين مدّها و جزرها في قطرات المطر و قعقعة صوتها في صفحات الكتب التّي سأقرئها و  بين الأسطر التّي عليك سأكتبها سأبحث عنك , أينما كنت , و سأجدك أينما أختبئت فأحضنك , و أستنشق هواك و أبكي من فرحة لقاك .. وهكذا..  

بقلم سيرين رحومة



مسافرة..