لا أجيد الإبتعاد

missing-feelingsJihen El Beshry - جيهان البشري

أنا لا أجيد الإبتعاد يا عزيزي، هذا ما حاولت أن أخبرك به سابقاً ..

أنفض الغبار عن الذّاكرة لإستعادة تلك اللّحظة التّي سرقت من عمري عمراً، تلك اللّيلة التّي باعني فيها والدي لإبن عمّي .. إبن عمّي الذّي لا أعرف عنه شيئاً عدا إسمه الثّلاثي وعمره، كان زواجِي أشبه بصفقة؛ ربّما أبالغ قليلاً لكن ماذا يسمّى زواجٌ بالغصب ومن رجل لا يرى فيك سوى جسدك، هذا الأمر مرهق يا أنا .. في اللّيلة التّي من المفروض أن تكون من اللّيالي التّي لا أنساها وتحفر ذكراها عميقاً، لا أعلم لما أحاول طردها بمختلف الطّرق وإن مرّت أمام عينيّ أتخيلك أنت معِي ربّما لأنّني لم أشعر فيها باللّذة التي تستشعرها كل فتاة ليلة زواجها، ربّما أيضاً لأنّني كرهت فيها زوجِي وأنا أراه يشبع نفسه من ذلك الجسد الذّي لا يستجيبُ معه في شئ، ربّما أيضاً لأنني رأيته وهو يستلذّ برؤية قطرات الدم على غطاء السّرير ليرضي عقله الذّي يعلم مسبقاً أنّني معه لكنني مغيّبة قلبا وروحاً ..

هذا الأمر يبدو عبثيّ، أن تحدّث المرأة حبيبها الذّي شاركته أدقّ تفاصيلها عمّا فعلته مع زوجها، لكنّه ليس ذنبنا إنّها الحياة تحشرنا في زوايا معتمة نحاول أن نفتح منها نافذة صغيرة تهبّ ريحٌ قويّة لتعود وتغلقها في وجوهنا ..

أنت تجلس على حافّة السّرير، أرى صدرك يهتزّ لفرط غضبك، تمسك السيجارة بطرفي إصبعك كمن يراقص معشوقته، تدخّن بشراهة، لا تنبس ببنت شفّة،

لكن أعلم أنك تتحاور مع نفسك، ربّما تلومها أو توبّخها، ربّما تقول لها أنّه لم يكن هناك بدٌّ من السّفر في تلك الظّروف وأنت تعلم أن هناك من تقدّم لِي،

نحن الإثنان نؤمن بأن يضلّ الحبّ مترفاً بين أحضان الحبيبين، لا يتركان منه مسرباً ينفذ إلى غيرهما، اما الزّواج فهم يعلنون عنه حتّى يفضحون حبّاً تأبى أعرافنا أن يضلّ بعيدا عن أنظارها .. لكنّك تعلم في قرارة نفسك أنك خذلتني في اللحظة التي آمنت فيها بك، تركتني أحارب تلك العادات لوحدِي ..

أنا لم أخنك معه، تلك الورقة لا تعني شيئاً غير أنّني محبوسة تحت ظلّ رجل تجمعني به وسادةٌ في اللّيل لا أكثر من ذلك .. أشعر أنّني كبرت ألف سنة؛ يآآآآآه يا عزيزي لا تعلم كم هو متعب أن يخرج زوجك صباحاً للعمل دون أن يعيرك أي إهتمام كأن يطبع قبلة دافئة على جبينك أو أن يعود للبيت وهو محمّل بالشّوق وزهرة الأوركيد خلف ظهره ..

ضمّني الآن هكذا تحت جناحك وأتركني هناك فأنا لا أجيد الإبتعاد لا أجيده، القدر أعادنا لنقطة البداية من جديد .. فلتكن هذه اللّحظة أبديّة.

جيهان البشري

لا أجيد الإبتعاد