في جحيمها
Eya Trabelsi - آية الطرابلسي
تقبع هي في غرفتها أو بأحرى في جحيمها ...مرتبطة تماما بأسلاك في يدها و أخرى في بطنها ...غرفتها بيضاء ,فرشها أبيض حتى الستائر بيضاء ..كم يوحي هذا اللون بهدوء و كم كرهته في تلك الفترة ..لأنه فعلا لون كاذب ..فمن أين سيأتيها الهدوء و كل خلية في جسمها تصرخ ألما ..في كل لحظة تسعى جاهدة لابعاد الموت عنها ..تحارب المرض ..تحاول بكل ما تقدر نزع برثينه عنها ..لكنه السرطان ..آه..حتى اسمه فاتك ... هذا اللون!! الأبيض..على وزن الأكذب ..لماذا يقولون أنه يوحي بنقاء و الصفو .. تلبس العروس الأبيض ليلة زفافها أو بأحرى ليلة استملاكها و عبوديتها .. يغطى الميت بلحاف أبيض رغم كل ذنوبه ..حتى القبور تدهن به رغم شناعة ما فيها من حزن و أسى ...
كم البشر كاذبون حتى على أنفسهم ...تصرف عنها فكرة هذا اللون فقط لأنه يجعلها تفكر في نهايتها ..تغمض عينيها الذابلتين و تتمنى..لقد ظلت عندها أمنية وحيدة ترجوها من هذا العالم ..لم تضعها ذلك اليوم في قائمة أمنيات التي طلب منها والدها ملأها ..لأنها تحتاج لمعجزة ..لا لم تتمنى انصراف المرض عنها لأنها تعلم أنه زائر وقح ولن يتركها بسهولة ..لكنها تمنت فقط رأيته للمرة اللأخيرة..هي فقط تريد حفظ ملامح وجهه البريئ كي تذكره ان غادرت الى عالم آخر ..
آه ..أمنية أخيرة لكنها مستحيلة..لا تتوقع أبدا حصولها لانها تعرف جيدا أن هذا العالم ليس آلة لتحقيق رغبات ..لماذا لم يعذب نفسه بزيارتها تتسائل لابد أنه نساها ...أفتكرها يوما ؟؟ تنحصر أنفاسها في ظل هذا الصراع و تشهق بقوة محاولة اخراج كل الهواء بداخل جسمها من فمها كأنه ذرة و مختلط في تركيبة الهواء ..آه..انها تتنفس ذكريات ..قرأت يوما أن أعظم آلام البشر قي الحياة مواجهة العشق و الموت...
أقوية لهذه الدرجة ليقدر لها مواجهة الأمران ؟؟و في لحظة تفكير قررت الاستسلام .. لا لم تنسى أنها وعدت نفسها و الجميع بمقاومة ختى النهاية .. لكنها قررت ذلك عندما سمعت والدتها تطلب الله أن يأخذ روحها كي يريحها و يريح كل من حولها .. فكرة أن بموتها ستضع حدا للوجع الدائم حسنا ستستسلم..ستضع كل أسلحتها أرضا و ترفع راية الاستسلام.. الراية البيضاء..آه لا لا الأبيض ثانية ..تنهدة مرة أخرى بكل ارهاق .. و امسكت الأسلاك يكلتا يديها و سحبتهم بقوة .. نعم لقد انتحرت..متمنية حياة جميلة للجميع من دونها ..هي ... يكفيها فقط شرف أنها لم تدع المرض يقضي عليها بل قضت عليه عندما قضت على نفسها ...
آية الطرابلسي
Website Design Brisbane