ظلمتني يا أبي
Nabila Ghribi - نبيلة الغريبي
سنوات كثيرة مرت... صورتك ضبابية في زاوية من زوايا ذاكرتي و قد غطاها غبار النسيان.. كنت قاسيا جدا معي و بمرور الوقت،جعلتني حزينة كالقمر،فاترة كالنجوم، حمقاء كالأمواج..جعلتني أعيش حياتي خارج دائرة الزمان و المكان...
حرمتني من كل شيء أردته و أردتني أن أصبح مثلك لكن لم أكن أريد شيئا من الحياة غير أن أكون سعيدة... لم أرد أن ألهث خلف بريق المادة و أخنق نفسي بالعمل و الحسابات كما كنت تفعل أنت فأنا لا تهمني الدنيا و لا يهمني الناس.
كنت تكره فلسفتي ، فلسفة الحرية والقناعة والطيبة .. كنت تحتقرني كثيرا لدرجة أنك اتهمتني بأني متخلفة ذهنيا... كنت أكبر خيبة أمل في حياتك و لم تتوقع أن تجد مني تلك العزيمة و ذاك الصبر و ذاك العناد في مواجهتك والحصول على ما أريد : السعادة.
أردت أن تحرمني من رجل أحببته فقط لأنه كان فقيرا... فقط لأنك لن تستطيع التباهي بصهرك في جلساتك مع أصدقائك لأنه كان إنسانا عاديا و أقل منك ثروة و مكانة..
أنا أكره انتهازيتك و أنانيتك لكني لا أكرهك...نسيت ألمي الذي سببته لي و قسوتك في معاملتي و أنا اليوم سعيدة حقا... سعيدة بحديقتي الصغيرة و ببيتي المتواضع.. سعيدة في حضن رجل أثق به أكثر كما وثقت بك يا أبي...
أحيانا أشعر بالشوق إليك..شوق إلى أيام الطفولة حين كنت تمنعني من اللعب و تريدني أن أحفظ الأرقام و الحروف و أجيد الكتابة و أنا لا أزال في سن الرابعة.. أعترف أنك بذلت الكثير من الوقت و الجهد لتجعل مني فتاة ذكية.. لكنك كنت قاسيا في فرض أفكارك علي.. قاسيا في الإختيار مكاني.. أدرك أنك أردت الأفضل اي لكنه ليس الأفضل في نظري فليس الثراء المدخل الوحيد للسعادة... و لو عاد بي الزمن إلي الوراء لاخترت نفس الخيارات و لعشت بذات الطريقة... أحب أن أرى شجرة تكبر... زهرة تتفتح.. أحب الأرض و أريد أن أسمع كلاما صادقا حتى لو كان جارحا و أكره "البريستيج" الفارغ و نفاق الناس و تقديرهم لك بسبب ما تملك...
ظلمتني يا أبي لكن لعله ليس خطأك... لعله خطأ مجتمع غارق في حب المادة... مجتمع يسمي السرقة و الإنتهتازية "تدبير راس".. مجتمع لا يدرك أن الثراء الحقيقي في امتلاك الأخلاق و المبادئ و أن السعادة الحقيقية هي في عبادة الله و الإبتعاد عن فتن الدنيا التي تجرك إلى عبادة الطاغوت....... تجرك إلى نسيان الموت و عيش حياتك راكضا بلا معنى خلف أشياء مادية لن تأخذها معك حين ترحل... أشياء ستفنى فناء جسدك الذي ستلتهمه ديدان القبر المظلم..
مقياس النجاح في الحياة ليس امتلاك الأشياء و صنع الثروة.. مقياس النجاح هو عبور الدنيا بسلام و الحفاظ على جمال الروح من مغريات الشيطان...
بقلم نبيلة الغريبي
Website Design Brisbane