سنة بالتّمام

femme-regarde-tempsJihen El Beshry - جيهان البشري

364 يوماً، سنة بالتّمام ، 8763 ساعةٌ

السماء في الخارج ملبّدة بالغيوم، صوت المطر جميل بشكل لا يصدّق لكنّ الرّعد يبدو مخيف،

فيروز صوتُها يصدح في أرجاءِ البيتِ

" بديت القصّة تحت الشّتي بأوّل حبّوا بعضن

وخلصت القصة بتاني شتِي تركوا بعضن "

تتقوقع تحت الطّاولة، أعقابُ سجائر كثيرة .. مزهريّة ملقاةٌ على أرضيّة الغرفة، زهورٌ ذابلةٌ فيها تبدو بعمر السّنة هي أيضاً، رائحته تنبعث مع المطر

حائطٌ مشقّقٌ كقلبها وأكثر.

تتذكر جيّدا تلك اللّيلة، في طريق عودتها من العمل الذّي لا ترغبُه،

كانت ليلةٌ ممطرة أيضاً،

كان ذلك في أواخر شهر تشرين الأوّل، وكان إسفلت الشّوارع قد شرب ماء وافياً من غير أن يغرق. حبّات المطر كبيرة، إلى درجة أنّ ارتطامها بالرّأس أو الوجه كان موجعاً،

الأبنِية البيضاء وقتها استفاقت من ثقل الغُبار والجفاف، كانت المطرة الأولى لذلِك الموسم، مثل هذه المطرة تماماً،

وكأنّ تاريخ المطر يكرّر نفسه.
لم تتذمّر يوماً من مطر يبلّلها، تمشي تحته بلا مظلّة، تكتفي بقبّعة ( الجاكيت ) الخفيف الذّي ترتديه، ولم تضايقها قيادة السيّارة تحت المطر إطلاقاً، إذ تكون حذرة من الانزلاق في المطرة الأولى، وحين ترتوي الشوارع والعجلات من الماء، تعود إلى سرعتها المعتادة.

الرّجل الذّي أعدّته حبّ حياتها، التقته أوّل مرّة مدّرئاً تحت وجيبة بيتونيّة لمقهى، منتظراً أن يهدأ المطر فيتابع سيره، وحين بدا أنّ الأمر سيطول، دخل المقهى حيث تعارفا ..

كان شبه مكتظّ، طلب الجلوس قربها،

أخذ الكرسيّ وعدّل في جلسته.

" ألست مدخّنا " كان السّؤال الأوّل من جهتها!

" بلى، ولكن أحاولُ الإقلاع "

" لا؟ لا تفعل قد أكُون غريبةٌ ولكنّني أحبّ المدخّنين، لا أدخّن بذاتِي ولكنّني أحبّ "

" حسناً،

كشفت ما تخبّئينه "

" هل أنت متزوّج "

" أنا أؤمن بإشاراتِ القدر وأنتِ منها "

هكذا إنتهى اللّقاء الأوّل، معلناً

بداية قصّة موكولة ٌ لإشارات القدر.

تتقوقع على نفسِها أكثر، تضمّ رجلها المبتُورة إلى الأخرى وتدسّ بينهما رأسها،

تتذكّر عروق يديه الخضراء البارزة، ساعته التّي يضعها في معصمه الأيمن، صوتُه المرتجف حِين يبكِي كالطّفل الذّي أضاع أمّه،

صوته الذّي يعلو شيئاً فشيئاً حين يختلفانِ على شئ ..

رسائلهُ الكثيرة في قلبِها، رسائله التّي تحمِلُ خطّه ورائحته ودمُوعه ..

إحداها مُلقاةٌ بجانبِ رجل الطّاولة التّي تتقوقع تحتها،

على واجتها " أحبّك " وعلى خلفيّتها كتاريخ لقائنا  الأوّل سيكُون تاريخ ضمّ إسمي إلى إسمك.

تتذكّر جيّدا وذاكرتُها لا تخونها، أصواتٌ عديدة تتردد على مسامعها " إحذر، إحذر جميعنا نريدك .. يقهقه بطريقة هستيريية مخيفة، أنا اليوم أسعد البشر، يتلاعب بالمقود ويسرع، يرفع رأس للسّماء ويصيح أحبّك بحجم هذه السّماء،

أنتِ في قلبِي أنقى من الهواء الذّي أتنفسه،

يعاود ويسرع،

يفقد السّيطرة وتنفلتُ السيّارة .. إمتزج الصّراخ بدويّ الإصطدام "

تتذكّر الشراشف البيضاء في المشفى، وجهه المغشّى بالدماء،

تلتفت إلى رجلها المبتورة،

تعاود النظر إليه، لا تنبس ببنت شفة .

ما الذي جرى؟ كان هنا والآن يغشيه اللون الأبيض ..

عيون حولها هالات سوداء كثيفة،

وقلب مشقق كجدار الحائط..

بقلم جيهان البشري
سنة بالتّمام