ثم تعود الى دنياها راضية مرضية
Ines Bey - ايناس باي
البعض حينما تضيق به الدنيا بما رحبت و يشتد به التوتر و الروتين الدنيوي القاتل يتوجه الى الملاهي او الاماكن العمومية المفتوحة حتى يشحن طاقاته و يعود الى الحياة بنفس جديد….
إلا هي كانت كلما فتك بها التوجس و القلق و كلما تذكرت .. اوجاعها…… ظلم البشر .. سخرية القدر …. واختلطت عليها الامور و اشتدت بها الحيرة لا تجد مفرا من هذا الهوس الذي ينخر مخيلتها سوى المقبرة .. نعم كانت مقبرة البلدة المعروفة » بجبانة سيدي بن سلمان » احد ملاذاتها…
الموت هو الحقيقة الغيبية المطلقة الوحيدة التي كانت تؤمن بها دون شك او ريبة… عدا ذلك فقد علمتها الحياة ان اليقين المطلق و الثقة البلهاء في الاشياء ..في الأشخاص.. في الأفكار..وحتى في بعض المعتقدات ماهي إلا أضغاث تكهنات قد يفندها الزمن و تكشف زيفها السنوات…
إلا هي كانت كلما فتك بها التوجس و القلق و كلما تذكرت .. اوجاعها…… ظلم البشر .. سخرية القدر …. واختلطت عليها الامور و اشتدت بها الحيرة لا تجد مفرا من هذا الهوس الذي ينخر مخيلتها سوى المقبرة .. نعم كانت مقبرة البلدة المعروفة » بجبانة سيدي بن سلمان » احد ملاذاتها…
الموت هو الحقيقة الغيبية المطلقة الوحيدة التي كانت تؤمن بها دون شك او ريبة… عدا ذلك فقد علمتها الحياة ان اليقين المطلق و الثقة البلهاء في الاشياء ..في الأشخاص.. في الأفكار..وحتى في بعض المعتقدات ماهي إلا أضغاث تكهنات قد يفندها الزمن و تكشف زيفها السنوات…
كان أنسها بمقبرة البلدة ليس زهدا .. ليس رغبة بالموت و ضعفا … ليس يأسا و قنوطا من رحمة الله .. قط لم يكن ذلك هو السبب بل بالعكس.. في الحقيقة قد علمتها تجارب الحياة انه لن تهون عليها الأمور و المشاكل الا اذا استصغرتها وقامت بتحقيرها و نظرت إليها بمنظور مخالف … كانت جدتها دائما تقول « يا بنيتي اللي يحقرها الدنيا و يسلمها لله تجيه تجري لكن اللي يعطيها اكثر من كارها يتعب و تعميلو عينيه »
كانت تذهب الى جبانة البلدة لتستفز حبها للحياة ….لتحتقرالحياة الدنيا… لتستصغر ألمها .. لتذكر نفسها ان لا شيء يدوم .. و ان الحياة الدنيا ماهي الا متاع للغرور … وان الخوف و التوجس من المستقبل و الركض المبالغ فيه وراء حياة زائفة زائلة عاقبته خيبة و انتكاسة موجعة..
ركنت السيارة تحت احدى اشجار المقبرة.. اغلقت الباب وتركت خلفها كل توجساتها الدنيوية والدونية ثم اخذت نفسا عميقا ونظرت الى السماء ثم تمتمت و على محياها ابتسامة رضا بأقدار الرحمان » سلام اهل الدار الباقية انتم السابقون و نحن اللاحقون« .
كانت تتجول بين الأضرحة و كان رأسها المنهك من وجع الحياة و المثقل بالافكار الملخبطة يجول بها ايضا هنا و هناك…تساءلت – ترى في اي شبر من هذه الارض سيكون مأواي الاخير..كيف ..و متى ?
ترى كيف قضى كل هؤلاء الموتى نحبهم.. هل تهيئوا للعالم الاخر .. ام ان الموت اقتطفهم على غفلة منهم بينما هم يركضون وراء حياة فانية تماما مثلي ? خفق قلبها و واصلت التجوال بين القبور.. ..
توجهت الى قبر جدها تأملته بحنين ..ثم قرأت الفاتحة و اغرورقت عيناها بالدموع ….اه يا جدي العزيز ..لو انك تراني الان فانك لن تعرفني ..تركتني مراهقة لم اتجاوز الخامسة عشر .. لقد كبرت يا جدي و كبرت معي أحلامي و آلامي.. لو انك تعرف يا بابا عٌلي ماذا فعلت بي الدنيا و ماذا فعلت انا بحياتي..اه لو تعرف…
ياجدي لا تقلق انا بخير انا على العهد و الوعد. …لكن كل ما في الامرانني اشعر احيانا كثيرة بان الحياة لا تليق بي او انني غير صالحة للعيش فيها ….. كبرت بي السنين يا بابا علي و لكنني لازلت ساذجة كما عهدتني …. لازلت طفلة بكّاية و شفافة اغرق في شبر ماء من دون امي …ورغم الكدمات فانني لم استطع ان اتغير .. رغم الخيبات فان الطبع يغلب التطبع..
اه دعنا مني الان ..حقا اشتقت اليك و الى ايامك يوم كنت تحملني على ظهرك و تخبئني داخل طريوش قشّابيتك السوداء و تهزّني للعطار و تحوّس .بيا تشريلي حلوة فليُّو و ساعات قوشو ثم نعود غير مكترثين لاحد ….
اما الان يا جدي فالحياة اصبحت معقدة اكثر مما تعتقد … نسال الله حسن الخاتمة و أن يجمعني بك في مكان افضل من هذه الدنيا الزائفة..
تمسح دموعها و تواصل جولتها متطلعة الى السماء و كأنها تنتظر إشارة من السماء لتربّت على كتفيها و تمسح على صدرها و تخبرها بأنها ستفرج وبان ما تخشاه ليس بكائن و بان ما ترجوه سوف يكون…
كانت تنظر الى الاضرحة الساكنة وتسبح بحكمة المولى … ذلك قبر لشاب درس معها في نفس الصف يقال له ولد الجميّل توفي و لازال لم يتجاوز الثامنة عشرمن عمره … كانت تتذكره جيدا فقد كان شابا اشقر وسيم والفتيات دائما يحمن حوله .. توفي في حادث سيارة.. … وذلك قبر لامراة في الثلاثين… وفي الضفة الاخرى قبر طبيب معروف يقال له ولد حٌمام توفي في الخمسين …. و بين كل هذه الاضرحة الصامتة استوقفها قبر يوسف التميمي الفنان الناجح المشهور و المعروف و هو ابن المنطقة …. كان قبرا قديما مسيجا بطوق من حديد اكله الخز …يبدو ان لا احد زاره منذ سنين. ..
هان عليها ألمها وهي تشاهد كل ذلك .. و تتامل حكمة المولى… و لله في خلقه شؤون.. اتستحق منا دنيا خاتمتها لحد و كفن و جسد مدفون كل هذا الالم و الحزن و التوتر… اليس الله باحكم الحاكمين .. اليست الحياة الدنيا الا متاع للغرور …
و هكذا ترتاح روحها المتعبة و تستكين و تستشعر بقلبها المستسلم عدل رب العالمين فان كان جرحها النازف سببه امنية لم تتحقق.. فشل غير متوقع او رزق تاخر فان رب العالمين هو المقدر و بيده خزائن الأرض فان شاء قال للشيء كن فيكون…
و ان كان سببه بشر فان الحياة فانية .. الظالم و المتغطرس و المتكبر و المتجبّر كلهم إلى ربهم يرجعون و عند رب العالمين الحساب و العقاب و الوعد المبين
ذلك المدير المتكبر و ذلك الأستاذ المتعالي الذي استغل منصبه و جرحها يوما و أحبطها و تلك الصديقة التي نكرت الجميل و لم تعد تسال عنها و القريبة التي لم تجدها في شدتها ..واخرون صدقتهم و فتحت لهم قلبها فكانوا مجرد ارقام انضافت الى سجل خيباتها… كلهم زائلون وميتون و كلهم سيسألها الله عنهم و لن تغفر ..
تنظر إلى السماء برضا و تأخذ نفسا عميقا ثم تعود الى دنياها راضية مرضية لتكمل رحلة الحياة بحلوها و بمرها و كلها امل و حب واستسلام لأقدار الرحمان
كانت تذهب الى جبانة البلدة لتستفز حبها للحياة ….لتحتقرالحياة الدنيا… لتستصغر ألمها .. لتذكر نفسها ان لا شيء يدوم .. و ان الحياة الدنيا ماهي الا متاع للغرور … وان الخوف و التوجس من المستقبل و الركض المبالغ فيه وراء حياة زائفة زائلة عاقبته خيبة و انتكاسة موجعة..
ركنت السيارة تحت احدى اشجار المقبرة.. اغلقت الباب وتركت خلفها كل توجساتها الدنيوية والدونية ثم اخذت نفسا عميقا ونظرت الى السماء ثم تمتمت و على محياها ابتسامة رضا بأقدار الرحمان » سلام اهل الدار الباقية انتم السابقون و نحن اللاحقون« .
كانت تتجول بين الأضرحة و كان رأسها المنهك من وجع الحياة و المثقل بالافكار الملخبطة يجول بها ايضا هنا و هناك…تساءلت – ترى في اي شبر من هذه الارض سيكون مأواي الاخير..كيف ..و متى ?
ترى كيف قضى كل هؤلاء الموتى نحبهم.. هل تهيئوا للعالم الاخر .. ام ان الموت اقتطفهم على غفلة منهم بينما هم يركضون وراء حياة فانية تماما مثلي ? خفق قلبها و واصلت التجوال بين القبور.. ..
توجهت الى قبر جدها تأملته بحنين ..ثم قرأت الفاتحة و اغرورقت عيناها بالدموع ….اه يا جدي العزيز ..لو انك تراني الان فانك لن تعرفني ..تركتني مراهقة لم اتجاوز الخامسة عشر .. لقد كبرت يا جدي و كبرت معي أحلامي و آلامي.. لو انك تعرف يا بابا عٌلي ماذا فعلت بي الدنيا و ماذا فعلت انا بحياتي..اه لو تعرف…
ياجدي لا تقلق انا بخير انا على العهد و الوعد. …لكن كل ما في الامرانني اشعر احيانا كثيرة بان الحياة لا تليق بي او انني غير صالحة للعيش فيها ….. كبرت بي السنين يا بابا علي و لكنني لازلت ساذجة كما عهدتني …. لازلت طفلة بكّاية و شفافة اغرق في شبر ماء من دون امي …ورغم الكدمات فانني لم استطع ان اتغير .. رغم الخيبات فان الطبع يغلب التطبع..
اه دعنا مني الان ..حقا اشتقت اليك و الى ايامك يوم كنت تحملني على ظهرك و تخبئني داخل طريوش قشّابيتك السوداء و تهزّني للعطار و تحوّس .بيا تشريلي حلوة فليُّو و ساعات قوشو ثم نعود غير مكترثين لاحد ….
اما الان يا جدي فالحياة اصبحت معقدة اكثر مما تعتقد … نسال الله حسن الخاتمة و أن يجمعني بك في مكان افضل من هذه الدنيا الزائفة..
تمسح دموعها و تواصل جولتها متطلعة الى السماء و كأنها تنتظر إشارة من السماء لتربّت على كتفيها و تمسح على صدرها و تخبرها بأنها ستفرج وبان ما تخشاه ليس بكائن و بان ما ترجوه سوف يكون…
كانت تنظر الى الاضرحة الساكنة وتسبح بحكمة المولى … ذلك قبر لشاب درس معها في نفس الصف يقال له ولد الجميّل توفي و لازال لم يتجاوز الثامنة عشرمن عمره … كانت تتذكره جيدا فقد كان شابا اشقر وسيم والفتيات دائما يحمن حوله .. توفي في حادث سيارة.. … وذلك قبر لامراة في الثلاثين… وفي الضفة الاخرى قبر طبيب معروف يقال له ولد حٌمام توفي في الخمسين …. و بين كل هذه الاضرحة الصامتة استوقفها قبر يوسف التميمي الفنان الناجح المشهور و المعروف و هو ابن المنطقة …. كان قبرا قديما مسيجا بطوق من حديد اكله الخز …يبدو ان لا احد زاره منذ سنين. ..
هان عليها ألمها وهي تشاهد كل ذلك .. و تتامل حكمة المولى… و لله في خلقه شؤون.. اتستحق منا دنيا خاتمتها لحد و كفن و جسد مدفون كل هذا الالم و الحزن و التوتر… اليس الله باحكم الحاكمين .. اليست الحياة الدنيا الا متاع للغرور …
و هكذا ترتاح روحها المتعبة و تستكين و تستشعر بقلبها المستسلم عدل رب العالمين فان كان جرحها النازف سببه امنية لم تتحقق.. فشل غير متوقع او رزق تاخر فان رب العالمين هو المقدر و بيده خزائن الأرض فان شاء قال للشيء كن فيكون…
و ان كان سببه بشر فان الحياة فانية .. الظالم و المتغطرس و المتكبر و المتجبّر كلهم إلى ربهم يرجعون و عند رب العالمين الحساب و العقاب و الوعد المبين
ذلك المدير المتكبر و ذلك الأستاذ المتعالي الذي استغل منصبه و جرحها يوما و أحبطها و تلك الصديقة التي نكرت الجميل و لم تعد تسال عنها و القريبة التي لم تجدها في شدتها ..واخرون صدقتهم و فتحت لهم قلبها فكانوا مجرد ارقام انضافت الى سجل خيباتها… كلهم زائلون وميتون و كلهم سيسألها الله عنهم و لن تغفر ..
تنظر إلى السماء برضا و تأخذ نفسا عميقا ثم تعود الى دنياها راضية مرضية لتكمل رحلة الحياة بحلوها و بمرها و كلها امل و حب واستسلام لأقدار الرحمان
ايناس باي
Website Design Brisbane