أنا الممضية أسفله الذّاكرة

vieille-femmeHiba Mezni - هبة المازني

على امل اللّقاء,افترقنا.. أنا وهو, بعد عشق طال أمده, و أينعت وريقاته وشّفت عن روحينا النّدى فرحا, ونقاوة وقليلا من الحزن لا غير.. والحق ان حبّنا عاش طويلا, حتى شاخت اوداجه وترهل جسده و ذبل اللهيب في مقلتيه, وافترقنا على أطلال مصير محسوم وحطام ذكرى سعيدة لم تزل تعبق في أنفي حدّ الساعة.. أليس هذا غريبا؟

قد قال لي يوما- صباح صيفي دبق- أنّه من الراحلين, الراحلين الزائرين الآفلين وان أطالوا الزيارة, قال أنّه تذكرتي لركوب قطار الطيش والعبث الذي سيوصلني الى محطتي الأخيرة التي, وبعد رحلة عنيفة, وصلت اليها, انه التذكرة التي سأمزقها حال بلوغي غايتي, أو التي ستضيع مني في فوضى وزحام القطار كما ضاعت منا جميعا تذاكرنا..

وفعلا, لشد ما أقحمنا طيشنا في فوضى لذيذة, وزحام غابر,أفلتت أناملي شيئا فشيئا التذكرة, قال ان أمثالهم لا يخلصون الحب, ومع ذلك تعلق قلبي به, كان غامضا, ملتويا ووعرا, كسماء ليلية ضبابية غاص القمر فيها في البحر, ابتلعته الامواج,وكنت اما القارب الذي يهوي هنا وهناك, هنا وهنا وها هنا وهناك, شيء من المازوشية ربما, لانني استمتعت به كثيرا, كانت تلك الفترة الأجمل بلا منازع, وأنا بدوري كنت جميلة

عشنا التهور والمتعة والعبث والشجاعة والنجاح والطموح وكل تلك المصطلحات التي تنتمي لقاموس المجد وبمرور السنون, والفصول, وفصول الكتاب, شارفت رحلتنا على النهاية واندثرت أمواجنا على سواحل اليأس الصخرية, يوم فقدت القدرة على انجاب ابن لي وله, على احتواء جنين للفن الذي جمعنا آثاره من رحلتنا..

بين الشيب والطفولة حبيب, هو حبيبي الذي فضحته كلماتي.. يوما, عمرا وميضا خاطفا يسوقنا للهذيان الى بلاد يشيخ سكانها بين الليل والنهار, ولا يسمح لذويها اعتناق الأبدية دينا لأنها متعصبة خانقة.. نحن نولد لنعيش, ولو للحظة –إان أسعفنا الحظ-  ومنا من يلتقي بهذا الحبيب الطاهر, ومنا من يشيغ باكرا مستعجلا,ولا اثم في ذلك فالحب حرب لا يتاح للجميع خوضها. نحن لا نولد لنموت, أما الموت, فكلمة ختام نلقيها على الحاضرين بعد اتمامنا عرض لوحاتنا, أو توقيع على غلاف كتاب لنا نهديه للحياة عربون امتنان, أو قصيد أليم لم نرغب في كتابته بل أجبرنا فأبى الحبر أن يجف.

ما الموت سوى نقطة في نهاية جملة, جملة الكلمات التي قيلت والتي ماتت قبلنا, بعد مجموعة من الفواصل والانقطاعات التي غبنا فيها عن الحياة وغصنا في غيبوبة من الاحزان والخيبات..

تحدثت كثيرا؟ .. أي نعم .. هكذا هم العجائز.

بقلم
 هبة المازني


أنا الممضية أسفله الذّاكرة