أغرمت به
Jihen El Beshry - جيهان البشري
اليوم نحنُ نعِيشُ ولم نمت كما قُلنا في السّابق ـ إذا لا سمح الله وإفترقنا ـ ، وإفترقنا .. أحبّ زوجِي ـ الذّي تزوّجته بطريقة تقليديّة ـ أعِيش معه حياةً هادئةٌ، لا أبكِي خفيةٌ ولا أتربّص الذّكريات كثيراً ، لديّ طفل لا يحمل إسمك وفتاةٌ تشبهني كثيراً ،
لا أنكر بأنّني في أول مقطورة الزّواج بكيت كثيراً وحاولت المُجازفة بشراييني ، فعلت الكثير لأعود لك ولكنني أحمد الله على أنني لم أعد ، ظننت بأنّني لن أحب بعدك وحبك سيدوم حتى لو افترقنا ، ولكنّني أحببته أحببته كثيراً ، حتى أكثر مِنك .. فِي زواجنا وبعد غيابِ سنةٌ من العمل خارج الوطن أراد أن يُفاجئنِي ويعيد طلب الزّواج منّي ،
لقد دُعيت في ذلك اليوم للحضور إلى المكان الذي تمّ فيه زفافنا لاحقاً للاعداد لهُ .. وبالطّبع لم أكن أعلم بوجوده ولا حتى بوجود " الدّراويش" .. وكل الأمور كانت تسير بشكلها الاعتياديّ إلى ان ظهر اوّلاً الدراويش بحجّة أنه يمكن اعتمادهم لزفافنا ، وهنا دهشت لوجودهم فكيف شاءت الاقدار ان أجد دراويش أحبّهم كثيراً لزفافِي من دون البحث عنهم حتّى! ولكن ما لبثت ان اكتشفت ان أحد أولئك الدّراويش هو " حبِيبي " وأنه بمشيئة الله هو ما أعدّ لكل ما كان يجرِي أمامي وما كنت أراهُ .. فكانت رقصات الدّراويش تحفر لذكرى هي كانت أشبه بالخيال، وكانت دوائرهم التي يدورون بها هي مسار لعقارب الزّمن القادم، زمن الحبّ الآخر، كنت في اللّحظات الاولى مأخوذةً بالدارويش وببياضِهم ورقصهم ودوارنهم على إيقاع اجمل التّواشيح التي أحب " والله ما طلعت شمس " .. حتى أخدني " درويشِي " من يدِي الى زماننا .. كان ، حديثُه تقليديّاً ، هداياه ، مثاليته
انا التّي تمنيت يوماً ما ، رجلاً مجنوناً يسكنني على احدى الغيمات ..
لكن كنتُ واقعيّة جداً ، واعلم ان ذلكَ يحدث في القصص فقط ..
كانت صديقتِي ودوماً تسألني وتلح علي بأسئلتها الكثيرة ..
اسعيدة أنتِ ؟
اين طفولتكِ ؟
شقاوتكِ ؟
وروحكِ ؟
كنت أبالغ بهول كذباتِي دائماً واجيبها انّني بفرط السّعادة ، وبأننِي كبرتُ وعقلتُ وانّ احلامنا السابقة ما هي الا محض روايات تسلب عقولنا ليسَ إلا ..
وقبل حفل الزّواج بيومٍ تقريباً بينما نحن جالسين ، قالَ لي :
هاتِ يدكِ ..
فظننتُ أنه اما سيلبسني خاتماً ، او اسوارة ، او امراً من هذا القبيل ..
اخرجَ قلماً من جيبه ،
وانا فقط اناظر عيناه وتصرفاته بصمتٍ مدهش !
فتحَ كفّ يدي وكتب :
ستعيشِين سعيدة ثقي بذلك ، وذلّلها بأميركِ الذي يحبك كثيراً
، قبّل يدي وافلتها ..
شاهدت ما خطّته يمناه على يدي اليسرى
وكان شعوراً غريباً جداً ، مزيجاً من الفرح والخوف .
تزوّجنا ، وكانَ حفلاً جميلاً رائعاً ، تخلله فرحة الاهالي والحضور
وبدأت حياة جديدة من نوعها؟
مضّت الأيام الأولى ايضاً تقليدية ، ولكنني اشعر بسعادة تخيّم علي ، كنت احاول شق طريقِي إليها ،
في الاسبوع الثّالث من زواجنا !
هنا بدأت الحياة تغيّر من مسارها ،
وجدت ورقةٌ منه على الرف العلوي
كتب لِي بها ..
اعشقكِ حد الجنون ، لكنّني اقولها لكِ فقط بعيناي .. اللّتان مذ عرفتكُ اسكنتكِ بهما ولن يسكنهما غيركِ مهما طالت الايام ..
عانقتُ الورقة ، وكما لو أنّني اعانق زوجي وأنفاسه!
سأحدّثكم عن شئ آخر ،
ذهبت ليلةً للمبيت في بيت اهلي ،
ولم تنم عيناي حتى الصّباح ، كنت اشتاقه بين الثّانية والأخرى ..
وحينما عدتُ للمنزل ..
نزلت من السيّارة ، وقال لي اسبِقيني ..
سأصطف السيارة والحق بكِ ..
فعلت ،
وبعد ساعة تماماً عاد ..
ولا أعرف اين ذهب !
غافلنِي ووغطّى عيناي حتّى غرفة الصّالة الخلفيّة التي تفتح على حديقة المنزل الكبيرة ، وفتح الباب ، ليفاجِئني بمفاجئةٍ كانت غريبة من نوعها ..
الغرفة ممتلئةٌ بالشّموع ويتوسطها عبوةً حمراء ، فهممت لالتقاطها ..
قال لي افتحيها ..
ففتحتها ،
فكانَ تراب ،
ضحكت بصوت مرتفع ، فقبّلني وقال لي اردتُ أن اهديكِ ما لا يهدى ..
وفجأة تحرك شيء ، فكانت سلحفاةً صغيرة في ذلك التراب ،
قزيت فأنا لا احبهما كثيراً ..
ورميت العبوة نافرة مصابة بنوبة ضحك ..
وقال لي انها ستعيش معنا هذه الصغيرة منذ اليوم ،
ركلت كتفه بيدي ضاحكة على جنونه ..
وصرختُ به انه مجنوناً بحق
قائلة له :
تباً لك ولها ، سأبتلى باثنان بدلاً من الواحد ..
أنا أعِيشُ سعادةً لا تُوصف معه، ، أهمس في أذنه كل صباحٍ بالحبّ ليس لأنه زوجِي بل لأنني أغرمت به .. بقلبه، بعقله، بجنونِه، وحياته كافة .
غالباً نحب إثنين معاً ولا نعرف أيمها نُحب أكثر ، ولكنّنا لو أحببنا الأول بِصدق لما بحثنا عن الحب بشخصٍ آخر، وأنصفنا القلب لثنين بقلبٍ واحد، لذلك يجب علينا أن نتوجس للخِيار الثّاني دون أي شكّ بأنه خطأ حتى وإن كان ألماً بحتاً فحتماً هو مهدُ الوصول للطّريق الصحيح.
الحياةُ تأخذُ منّا لتُعطِينا، هي تحشُو أيّامنا بالسواد أحياناً للنها في النّهاية تخبّئُ لنا طريقاً يكسوها البياض ..
بقلم جيهان البشري
Website Design Brisbane