أحلــم

reves-enfance-detruitsJihen El Beshry - جيهان البشري

أبدو هشة كورقة خريف، كل شئ حولي يتداعى للسقوط،

أحاول البحث عن يد تنتشلني من العتمة القابعة داخلي .. لكن عبثا لا أجد ..

مرارا طلبت من الله أن يجعلني أقوى وقادرة على حمل ضعفي وكسوري، لكن ما إن يصطدم قلبي بالجدار حتى أدرك أنني وحيدة وحزينة ..

حاولت جاهدة أن أجعل الحب طريق النجاة العظيم،

شعرت أنه وحده قادر أن يربت على قلبي دون أن يحدث لي منه أذى،

أحببت الله، أبي الغائب وحضنه الدافئ، أمي ونقاء قلبها، إخوتي ووجوههم التي تحمل طمأنينة عظيمة، أصدقائي،

وجوه المارة التي تحمل قصصا خفية .. رغم هذا أشعر بالخواء، ما إن تقتات روحي على بصيص نور تعود وتنطفئ،

أود لو أن هذا القلب كان أكثر صلابة، أكثر قسوة، ما كان بهذا الوهن .. كانت الأشياء ستعبرني بخفة ولن يعلق على طرف هذا الجزء الصغير الهاوي شئ،

لو كان سقف أحلامي أقصر، لو كان ما يعنيني بالضرورة يعني بنات جيلي، كنت إستطعت التعايش ساعتها مع هذا الخوف الرابض في كل جزء من جسدي ،

لو أنني آخذ الأشياء على طبيعتها،  لا أحاول معرفة السر ورائها، التفاصيل التي جعلتها تبدو هكذا .. كنت لأبدو عظيمة في أعين الجميع كما في عين نفسي.

أنا متعايشة مع هذا التقلب، هذا الضعف، هذه المزاجية، هذا الخوف، الألم الذي يعصف بقلبي غالبا، مع وحدتي، مع موسيقاي، مع كتبي، مع غرفتي - عالمي الخاص -،

فقط أريد من يقبل هذه الطفلة بعالمها الفاتن كما هي، لا يحاول التغيير فيها،

الطفلة التي ترضيها كلمة لطيفة، حلم نقي، أغنية كمسمع حلم، كتاب لأدونيس أو نيرودا، تقرأ على مسامعها قصيدة لدرويش،
تنشد لها مع القديسين أناشيد الحب والوجد،

تحلم معك بالهرب تحت سماء كوبنهاغن، تسافر بك إلى بغداد، دمشق، و بيروت، ثم فلسطين،

نذهب لمتحف محمود درويش، ونعرج على القدس، نصلي ونقبل أعتابه، ثم تطأ أقدامنا
عتبات كنيسة المهد ..

بعدها  نأخذ حافلة تقلنا إلى حيفا، عكا، ويافا .. ثم نزور المخيمات، أعلم أنني هشة والإنسانة داخلي ضعيفة ولن يحتمل قلبي، لكنني أحبهم جميعا أطفالهم شبابهم بناتهم وشيوخهم.

أحلم بتشييد مدرسة كبيرة، تكون على شكل عمارة،

نربي فيها الأطفال السوريين والعراقيين الذين فقدوا عائلاتهم في الحرب المشؤومة، لا نسميها ملجأ أو ميتم نسميها

وطن، أكون أمهم وتكون سندهم وسندي.

أحلم كلما مللنا أن نحمل زادنا ونجوب مدينتنا العتيقة، نستنشق رائحة الأصالة، عبق الياسمين، رائحة القهوة، أن تحدثني عن كل تفصيلة صغيرة تعرفها عن هذه المدينة .. أحلم بشتاء

بمدينة الكاف، باجة أو عين دراهم، شتاء لا أخافه لأنك تسندني، لأنك تحمل عني قلبي، لأنك والدي فالحب هو الأبوة أيضا.


أعود الآن وأقول أن مجرد التفكير في هذه الأحلام الصغيرة يبكيني، إنني طفلة بهموم أمة،

لماذا ييتم الأطفال بحجة السلام؟ لماذا تشرد عائلات من أوطانها بحجة مكافحة الإرهاب؟ لماذا تبتر رجل شيخ في حرب لم يكن يوما يريدها؟ لماذا يبكي رجل بحرقة على طفل وهبه له الله
بعد سنوات عقم، ليعود ويبكي لأن قذيفة قسمته أشلاء؟ لماذا يفقد عاشق حبيبته وتبقى سرابا في عينيه لأن وطنه الأم نفاه بعيدا عن حضنها؟ لماذا يجب أن نحلم بغد أفضل في أوطان
مكلومة ومغلوب على أمرها؟ .

يا الله إنني تائهة، وأجزم أن أجد لتيهي هذا عنوانا، غير أنني تعبت وأنا في العشرين، قي العمر الذي من المفترض أن أكون فيه مزهرة.

جيهان البشري
أحلــم