يحدث في مجتمعاتنا الشرقية. .
Khawla Jbeli - خولة الجبالي
في كل صباح كان يحمل كيسا صغيرا يحتوي على مجموعة من علب تلميع الأحذية ..
كان يرتدي بنطالا ممزقا و قميصا اختفى لونه بعدما تلوث بزحام المدينة. .
هذا الطفل لم يتجاوز من العمر أحد عشر عاماً لقد حرم من طفولته بعدما أجبرته قساوة الحياة على هجر العلم و الرضا بالجهل حتى يوفر لقمة العيش له و لوالدته التي اختارت عزل نفسها في ركن من أركان غرفتها المعتمة..
كان يضع على الرصيف أدوات تنظيف الأحذية و ينتظر من المارة أمره بتلميع أحذيتهم..
و بين الحين والآخر كان يرفع عينيه الذابلتين اللتان احتواهما وجه شاحب فيسترق النظر يمنة و يسرة حتى يرى أنداده حاملين كتبهم و بأحسن الملابس و أجملها.. فينفطر قلبه حزنا و يباغته شعور بالحسرة كلما تذكر أنه كان الأول في الصف و الأذكى من بين كل زملائه لولا قساوة الحياة..
ثم ما اذا رآى كل طفل يمسك بيد والده أو والدته حتى تعود به الذاكرة الى فقدانه لأب يحميه و يحويه هو و أمه فهو لقيت مجهول الأصل.. و هو ما جعله يعيش مذموما.. محتقرا في حيه و مع هذا لا يجدر بنا أن نحكم على أمه بالعهر مباشرة.. فتلك الأم لم يكن لها أي ذنب في ما حدث. .
لقد اختارت أن تعمل في سن مبكرة مثلما حدث مع وحيدها.. لقد كانت تتعب و تشقى حتى توفر لقمة العيش لعائلتها المعوزة.. لكن صاحب المنزل استغل صغر سنها و قلة وعييها.. فاغترت حينما سمعت لأول مرة كلاما بتلك اللطافة.. حينما أكلت لأول مرة من كل الأطباق الشهية. . حينما لبست لأول مرة فستانا من حرير.. حينما انتهى بها الأمر في فراشه.. لقد اغتصبها ذلك الرجل عديم الضمير..
ألا يمكننا أن نتهم آفة الفقر بهذا الذنب؟ أليس العيب في ذاك الرجل الخائن.؟؟
طبعاً في مجتمعنا الشرقي الذكوري لن يحدث هذا.. لقد حكم عليها بالعهر و أصبحت تنعت بالمومس.. و لا أحد يلتمس لها عذراً. . لا أحد سألها عن سبب إقترافها لذنب كهذا.. و لا أحد حاول أن يصغي لها قبل أن ينصت إلى جيرانها. . فالكل يسمع الأقوال التي تشيع عليها و لا أحد يسمع لها.. ألا يجدر بنا أن نطأطأ رؤسنا احتراما لها؟؟
ليس لشئ و لكن لأنها لم تحرم ذاك الطفل من حقه في الحياة. . هي لم تتخلى عن هذا الطفل رغم قساوة الحياة.. و لم تفعل ما تفعله الأخريات.. لقد صمدت رغم وحدتها و أنجبت ذاك الطفل. . أ ليس هذا كاف حتى نحترمها؟ أليس هذا كاف حتى نتأدب في الحديث عنها؟و ذاك الطفل الذي أنجب بطريقة غير شرعية.. لماذا سمي لقيتا؟؟ لماذا نحتقره؟؟ ما ذنبه؟؟
لماذا يفرض عليه المجتمع و بالتحديد المجتمع الشرقي أن يعيش مطأطأ الرأس.. خجلا.. وجلا.. بلى يا صغيري ارفع رأسك. سر بخطوات واثقة. . لا تخجل و لا توجل من أحد.. أنت أطهر من الكثير.. سلام على روحك العطرة و جوهرك الزكي.. ليتنا نصلح من ذواتنا قبل أن نراقب الغير. .ليتنا نصلح من طريقة تفكيرنا حتى نكون أكثر موضوعية و حيادية..
خولة الجبالي
Website Design Brisbane