هذا العمر الذي لطالما انتظرته

crise-age-femmeFethia Chehbani - فتحية‬ الشهباني

وأخيرا، بلغت الخامسة والعشرين من عمري. استنفذت خمسا وعشرين ربيعا من عمري. هذا العمر الذي لطالما انتظرته. سمعت عنه حكايات وأساطير كثيرة، ولم يكن يستهويني أي عمر غيره.

كنت أظن بأنّه أجمل الأعمار وأرقاها، وأنّ الناس بهذا العمر يبلغون أرقى مناصب الجمال، جمال الروح والفكر والعقل. كنت أظن أنّهم على درجة من الوعي كفيلة بتحرير أرواحهم من قيود التقاليد المزيّفة ومن كذب المنافقين.

في هذا السن، ظننت أنّ كلَّ النساء ذواتُ فكر راق،إن كنّ متزوجات أو مستقلات. ظننت أن كل الرجال قد بلغوا ما بلغوا من النضج لتحمل أي مسؤولية.. وباختصار ظننت أن هذا العمر أجمل الأعمار..ظننت وظننت، وخاب ظني. ها أنا بين أصحاب الخمس والعشرين، ويا ليتني ماكبرت ويا ليتني ماوصلت...

كل شيء مزيف وتافه إلى درجة الغثيان. لاشيء جميل بهذا العمر، إلا الأجساد. عقول تافهة بحجم الذباب وذهن فارغ متعلق بتراهات. نساء بائسات ينتظرن زوجا أو كرهن زوجا أو أمهات متعجرفات... ورجال لا تنقصهم إلا الحفاظّات، لا يتحملون مسؤولية ولا يزيدون في العمر إلا الساعات. لا فكر ولا ثقافة ولا علم، إلا كلام مكتوب على ورقات. جيل ضائع وسط زحمة تكنولوجيات. وإذا حدثته عن الحياة وعن الجمال لا تستطيع شِفاهُه نظم كلمات.

تتوه في هذا العالم المسخ. تمنيت لو كنت في زمن آخر غير هذا الزمان، حيث تقدر قيمتي بما أحمله من ثقافة في جُعبتي. أريد عقولا تكلمني عن الشعر العربي والأدب الإنجليزي، عن ماجلان وفرعون، عن سبب ابتعاد القارات، عن الفن والجمال والتاريخ والرسم والحب بين الأسطر المخفيات. أريد عقولا تسألني إن كنت أعرف علوم الفلك والمجرات وهل أعرف المعالم وكم زرت من دُوَيلات. أريد عقولا تخبرني إذا ما رأتني بأن "عقلي جميل". ولا تسألني هل أحمل في حقيبتي مساحيق تجميل وهل ملابسي من أغلى الماركات.

أريد عقولاً تعرف من وجهي أنني أخاف اللّه ولست متخلفة أو رجعية. هذا جلُّ ما أريد ولم أجده في هذا العالم المليء بالتفاهات. وكل إنسان ذو تفكير منطقي سيشعر بما أشعر به. سيعرف أن هذا العمر بالنسبة للكثير عمرٌ زائف. وقليلون هم على قيد الحياة.. و هؤلاء يعيشون غربة بين كومة جثث متحركة. تسلبُ الحياةَ معنى الجمال. أشد ما أريده أن تنقرض هذه المخلوقات.

بقلم فتحية‬ الشهباني

هذا العمر الذي لطالما انتظرته