هذا العالم نشيّده فينهار

lettre-amour-syrie-guerreJihen El Beshry - جيهان البشري

صديقي العزيز .. تحيّة طيبة وبعد

لا أعلم من قال يوماً أنّ هذا العالم نشيّده فينهار ثم نعود لنشيّده فننهار نحن. تتخبّطني أحداث ليلاً ونهاراً، تتخبّطني كمن يتخبّطه الموج في ليلة ظلماء لا روح فيها. أهرب من هذا قليلاً، أختبئ من ذاك وينتهي بي الأمر دائماً فوق فراشي ملتحفة بغطائي أنظر إلى سقف الغرفة وأنا أتمتم أنّني جزعةٌ وأن هذا العالم  مخِيفٌ ولا شئ يفعله عدا أنّه يهزهنا في كلّ مرة حاولنا فيها أن نضع ثقتنا به ..

أستيقظ كلّ يوم معتبرة أنّها بداية جديدة، فتجد نبأ مقتل فلان على يد الشرطيّ ذاك الذّي من المفترض أن يكون هو من يحميه، تهرب من هذا الخبر لتقرأ نبأ حرق ثلاثة أطفال فلسطينييّن لا ذنب لهم سوى أنّهم في وطن محتلّ  " وتحميهم " حكومات خائنة، تحاول الخلاص لتلتقِي بغرق هؤلاء في المياه الإقليميّة طلباً للرّزق أو الحريّة . تترك هذا الخبر لتجد أنّ حلب حرقت ودمّرت ولم تعد حلب أصبحت أشلاءً ثمّ ماذا يساوي الوطن بدون أهله؟

تقرّر أن تغلق وسائل التّواصل ثمّ تجلد نفسك أحقّاً وجدنا في العالم نحمل لفظ إنسان فاقد لصفة الإنسانيّة؟ أهذا العالم الذّي ولدنا لنعيشه؟ تتعلّم شيئاً فشيئاً مهارة إعتزال الأشياء لتحتفظ فقط بتلك التّي تبدو سعيدةٌ.

حسناً لا تحاول الإنكار أنّ تلك الصّور والأشلاء لا تطاردك أينما وجّهت وجهك، صورة القتيل ذاك التّي تطرأ على مخيّلتك بغتتة قبل أن تضع سمّاعاتك خشية أن تسيطر عليك، لا تخبرني أنّك لم تر نفسك في الحلم يوماً شريداً أو لاجئاً أو هارباً ممّا خلّفته الحرب فيك. لم يتسرّب هذا العالم دائماً من بين أصابعنا ما أن حاولنا الإمساك به؟

قبل فترة إعترضني في الطّريق شريد، بشعر كثّ وملابس رثّة ورائحة كريهة، هذا غير مهمّ .. المهمّ أنّه كان ممن الممكن أن يكون هذا الرّجل محاطٌ بعائلته، ربّما عائلته تبحث عنه، ربّما تاه منهم فجأةً، قد يكون مريض ألزهايمر .. لوهلة باغتتني صور المشرّدين جميعهم في طابور، كم شريداً رأيت وإبتعدت عنه خشية أن يصيبني منه شئ، كم واحداً منهم ترك وراءه عائلة وأهل ربّما يبحثون عنه لهذه السّاعة؟ كم واحداً كان بإمكاني أن أردّه لأهله؟ بالطّبع أسكت عن كلّ تلك الأصوات الشرّيرة داخلي بكوب حليب مغليّ وملاعبة طفل صغير .. منذ سنتين، كنت أفكّر في الإنضمام إلى الجمعيّات الخيريّة التي تساعد المحتاجين وتعتني بهم، لكنّني توقّفت عن ذلك كلّه حين وجدت أنّه ما من فائدة ترجى وأنّ هذا الأمر سيزيد من إحباطي وعزلتي أكثر وبما أيضاً هشّة وحسّاسة إزاء أيّ وجه على حدّ قول أناييس.

الحلول القليلة لا ترضيني، لا يمكنني مساعدة أحدهم وترك الآخر يموت برداً وجوعاً في الشّارع، وإنني أعلم أنه إذا ذهبت إلى ذاك المحتاج فأسجد في الشّارع الثالث شريداً أكثر بؤساً وقريباً من الموت.

هؤلاء الذّين يطلبون مساعدتنا ـ نحن الذّين حنت عليهم الدّنيا ـ ، كثر كثر بطريقةٍ مبكية وأجزم إنّهم يتكاثرون بين ليلة وضحاها.

ألم أخبرك سابقاً أنّ هذا العالم نشيّده فينهار؟ يا عزيزي، هذا العالم نشيّده فينهار. اليوم تقصف تلك المدينة للسبب واحد أنّها طالبت بالحريّة ربّما هذه الكلمات أصبحت من الأشياء المحظورة في عالمنا العربيّ، اليوم يظلم فلان ويسجن ويضيع عمره، اليوم تبكي أمّ بحرقة، اليوم ييتّم ولا أبشع من اليتم، وغداً أظلم أنا وأنت في منحى آخرمن مناحي الحياة. لما المبالاة إذن؟

الفوضى لا تتوقّف، الصّرخات لا تخفت، الحروب لا تنقطع، لن تستطيع أن توقف شيئاً من هذا، أتمنّى أن تكون بخير فقط. أمّا أنا فيمكنني أن أتعايش مع هذه الفوضى داخلي، مع هذه الأصوات التي تتخبّطني وأنا أكتب لك هذه الكلمات. بعد قليل سوف أغلق الفايسبوك وكلّ ما يربطني بهذا العالم وأشاهد فيلماً يفي بالغرض، ربّما أصنع كوباً من القهوة لأطمئنّ قليلاً، سأتذكّر أنّه لا فائدة من حزني وتعاطفي طالما أنّ من له القدرة على المساعدة غير آبه لشئ،

على أيّة وفي كلّ المحاولات هذا العالم نشيّده فينهار.

جيهان البشري

هذا العالم نشيّده فينهار