موسيقى الذات
Yasmine Hasni - ياسمين حسني
صوت القيثارة ممزوج برديفه النابع من لب الكمان.. صوتان منسجمان في دقة عجيبة.. صوتان كلحن الحياة.. كنغمة الامل.. كزقزقة في مطلع فجر الغد الافضل.. هي النوتات كذلك.. تداعب الاذان في رقة.. في رشاقة.. فترقص على طبولها في هدوء.. و النسق يتعالى ليحذو حذو الشهاب.. في السماء.. في الفضاء.. ثم يهوي بك دون اعلام و لا اعلان.. الى ارض الواقع.. الى بسيطة النزق..
و يتغير المزاج بين البرهة و الاخرى.. بين الحن و نظيره.. و ما اجمل ان تغدو جزءا من تلك اللوحة الفنية.. بما تختلجه نفسك من تقلبات.. بما تخبيه من تاثيرات.. بما تفيض به من مشاعر.. انما الاجمل ان تصير منسجما انسجام الصوتين..تماما.. كانا.. بصدد الاستماع الى اغاني الحياة التي نسجتها الاوتار و ذبذباتها..
كانا.. كل منهما.. على مقربة من الاخر.. و لم يكن هناك بد للابتعاد.. فالجميل الجميل ان ترقى بالنفس في تلك اللحظات.. و نفس الحبيبين انها مشبعة هياما.. حبا.. عشقا.. و موسيقى الثنائي تزيد كنههما حماسا..
و ازداد القلب سعة.. و سارع في نبضاته.. رويدا رويدا.. الى ان استسلم احد الطرفين الى غريزة لئيمة.. او رغبة ملحة.. حينها.. فتمدد.. و خر على كتف الاخر.. واضعا طبلة الاذن محل الشريان.. لينير درب الفؤاد.. او ليتناهى الى مسمعه.. دائما.. حكايات القلب و رواياته.. فذاك القلب.. قلب المعشوق.. القلب الصادق الامين.. المكان الذي يحفظه.. الربع الذي يصغي لالامه.. لافراحه و اتراحه..
و تمدد فعلا.. ثم حيكت مشاعر مجهولة.. احاسيس غامضة.. بين الغبطة و التامل.. بين الارادة و الحلم.. بين التفكير و التطرق.. حارت الذات و ظلت سواء السبيل.. شعور انتاب الطرفين على الاقل.. و لكنه بقي مبهما.. فلا كلام يذكر.. و لا حديث يعاد.. الا.. كلمة اعتادت عليها الثغور "محلاك".. و كم لخصت تلك العبارة من وابل من المعاني.. من جمع من المباني.. من نفر من المضامين.. وقتها..
اضحت كل المفردات هراء.. فضلة.. و غدت الكلمة المتواترة عمدة.. استنطقت الداخل.. و ما اصدق ذاك اللفظ و ما احسن انطباعاته على نفس الواجدين... انتهى العرض.. و قف الجميع للثناء على الخلاقين الذين جعلا من التيهما جزءا من مسيرة كل الحاضرين.. فردا فردا.. حتى المعشوقين.. هما من الموسيقى.. و الموسيقى منهما.. الاثنين..
الكل ادلى بدلوه.. و احسن فعلا.. كل بطريقة متقارعة مع الاخرى.. مختلفة تماما.. كما هو الحال في عالم الحبيبين.. عالمهما المشترك.. حيث تترعرع الطموحات و الاماني.. حيث تكبر المعشوقة تحت ناظري الواجد.. في تان و سلوان.. هناك.. في ذلك العالم.. تشهد اركانه اولى خطوات قصتهما.. معا.. خطوة بخطوة.. على سلم الحياة.. و تلحظ تلك النظرات التي تنم عن الاعجاب.. عن الحب.. عن الصدق.. عن ما لا تدريه النفس و لا تدركه بنات العقل.. عن ما فاق الخلد خيالا.. و الكنه وجدانا..
تلك النظرات.. تخترق الوجود.. و تظل الومضات سوى منهجا للتواصل.. منهجا يخلو من اللغو.. ربما لان كليهما راغب عنه.. فلللقاء في دنيا الارواح متعة فريدة و مذاق خاص.. في صمت.. في صيام عن الكلام.. في سكون و هدوء.. تتبادل اللمحات في نسق غير متهدج.. فحين ينتصب الجسد قبالة الاخر.. تتعانق الارواح.. عناقا شديدا الى حد الاختناق.. و تطبع الواحدة على جبين الاخرى عربون المحبة الازلية.. و الحب السرمدي..
هو العشق كذلك.. عفيف عفة الروح.. عميق عمق الكنه.. امين امانة القلب.. صادق صدق الوجدان.. مهتم اهتمام الخلد.. هو الكنه و الكيان.. القلب و القالب.. الروح و الجسم.. المشاعر و الاخلاق.. الحب هو الرقي بالنفس و السمو بالنفيس.. هو المراة العاكسة.. هو قاموس الذات.. فشكرا لكل من اعجب بي مستهل الامر.. و احبني ذيله.. و قد كان واحدا.. هو واحد.. و سيظل واحدا.. هو من فقه من اكون.. هو من انسجم و داخلي.. انسجام صوت القيثارة و لحن الكمان..
بقلم
ياسمين حسني
Website Design Brisbane