لتكن ثمانية عشر دقيقة
Omaima Harzly - أميمة الحرزلي
كان نورا خافتا يلج من النافذة ، كان خافتا حلوا و مخيفا ، بل و مرعبا ، يغتصب ظلمة الغرفة في إنتشاء عظيم ، و لكنه استدرجني و اخذ بي اليه دون وعي مني ..لا ادري حقا أكان الوعي قد ترك كل وضائفه هاربا مع وجوده ام ان انكاري الملح لمشابهته به هو الذي استدرجني و دلني اليه ..
كانت ساقي الحافيتين تدفعان عمدا لفتح النافذة كما عمدتا من قبل الى دفعي للقتال ساعات الحرب ، و كانتا بين الخطوة والاخرى ، و على الرغم من اعتيادهما على الخوض في كل المعارك ، تتوقفان رهبة و ارتباكا ..
وصلت النافذة ..
بعد ان ارهقني السير حد البكاء ، و اني اعني ذلك ..
فقد كنت امشي ، و كان هو معي كذلك ، كنا اثنين .. كنت انا و هو .. و اني لأعني ذلك، انا و هو !
سارعت في فتح النافذة كأني بها مهربا ، اني هنا اعترف ان ما قمت به كان بدافع التخلص و ليس الإبقاء ...
ليس خوفا بل رهبة من الفقدان بعد التعود ، كنت اخاف الخسارة ، حتى في مخيلتي ، كنت ارهبها و احقدها ، لكن خسارتي الآن مربحة ، فقد حققتها بنفسي !
فتحتها ... فتحت النافذة .
هو .. وجدته .. ينتظرني و ينظر الي .. لقد فعل !
كان هنا فعلا ... لم أكن من ينسج هذا في مخيلة ذاتي كما كنت افعل ، بل هو حقا ! كان يداعب فستاني الواسع بعطره ، كالعادة ! و يطرب مسامعي بأنفاسه ..
و فجاة قفز داخل الغرفة كمن يهرب من شيء .. اشبه بالموت !
كان دوي القصف خارجا يلاحقنا ، سارعت لحمل السلاح ، و لكنه منعني .. بل اوقفني بعنف قامع !
-قبليني ... !
-لن افعل!
-ستقبليني !
-ومن قال ؟
-أنا فعلت !!
-إذن فلتعترف أنك مخطئ .. !
-إني على يقين أكثر من أي وقت مضى !
-وأنا قلت لن أفعل ! لن أقبلك !
تعال صوت الدوي خارجا ، إنه يقترب اكثر فاكثر ...
-قبليني أرجوك ... !!
-لم قد أفعل ؟
-لأنك تحبيني !
-لست كذلك ... !!
-لا تنكري ... فصدك هذا يؤلمني !
-الألم مجرد ذريعة نستر بها خوفنا من القادم المؤجل .. !
-ولكني إشتقتك !!
-هذا لن يجعل مني أقبلك حتى و إن إشتقتني مرة كل دقيقة !
-بل ستون مرة !
-مخادع !
-و لكني أحبك ! أحبك منذ سنة، منذ رأيتك بجانبي ذاك اليوم ، كنت تحرسين ظهري من الخلف ، إمراة لا تهاب السلاح ! كنت عظيمة ، و ما أشد عظمتك .. تبتسمين لي رغم صوت رصاصهم
، فيرتسم على شفتيك وطن يافع و ندي ! كنت أراقبك ، و كنت أهاب على نفسي منك ، فإمرأة مثلك ، تقتل و لا تقتل !
أحبك حين تغمضين عينيك لتسرحي في مخيلتك حلما و تمني ، أحبك حين تتقاسمين معي رغيف خبز ، أحبك حين تقولين لي «صباحك وطنا جميلا» ، أحبك حينما تبحثين عني بين
الحشود و تقولين إياك و أن تتركني ، أحبك حينما توجهين سلاحك و تصوبين ، أحبك .. فأنت الحرب و أنت السلام .. !!
-لا يسعني أن أحب أحدا غير الوطن ..
و أنت وطني .
-قبليني لسبع عشرة دقيقة إذن !
-و لم سبع عشرة دقيقة ؟
-دقيقة لأني أحبك ، و دقيقة لآخذك منك ، و أخرى لأردك إلي ، و الرابعة لأحلم معك ، و الخامسة لأكون رجلا في حضرتك ، و دقيقة لأبني بيتا في نقاء عينيك و السابعة لأحبك أكثر ...
و أترك لي العشر الباقية لأتذوق طعم الوطن على شفتيك !!
-لتكن ثمانية عشرة دقيقة !
-و لم ؟
- دقيقة لتحتضنني بين ذراعيك و نموت معا .. فتكون قبلة سرمدية في حضن وطن .
أميمة الحرزلي
Website Design Brisbane