فليقبلها … وليحدث ما شاء القدر

adultere-coupleسنيا قرّام الجديدي - Sonia Garram Jedidi


نظر إلى هاتفه الجوّال، جاءه صوتها مبللا بالبكاء وقالت:"كيف فعلت هذه المعجزة الصغيرة؟ لم أصدق عندما فتحت باب الغرفة، كل تلك الزهور لي أنا؟"

" هي لك يا عصفورتي الجميلة، أردت ان تذكريني هذه الليلة، باريس مدينة ساحرة ولا أريد أن تخطفك مني جمالا".

"المدن الجميلة تسكننا دائما سواء أكنا فيها أم تركناها، وكل حب له مدينة تشبهه."

"  وبالتالي فانت كل مدن العالم لأنّك كل الحب"

"يعجبني غزلك، معك احس بأنني لست فقط امرأة ، معك اصبح نفسي."

"ساشتاقك...بل أنا اشتاقك"

"أنا أيضا، سانتظرك في المطار."

استيقظ صباحا على فرح، كل الكون يغني من حوله كلّها ساعات ويطرق باب الحلم. كلها ساعات ويصبح الحلم حقيقة خالصة. تنتظره الدنيا والشعر والموسيقى والأمل والحياة، تنتظره الدنيا
بأجمعها. نام على غير عادته في الطائرة يريد أن يكون وقته كله خالصا لها على رأي عمر الخيام "ما أطال النوم عمرا ولا قصر في الأعمار طول السهر".

أخيرا حطت الطائرة كل شيئ فيه يجري ويلهث فقط لاحتضانها، إنها باريس يا حبيبتي، بعيدا عن كل العيون والألسن الناهشة اللتي تحلل وتحرّم وتتستر بالفضيلة الزائفة. المصيبة انه يعرفهم كلهم يعرف زيفهم وكذبهم وسرقاتهم وعفنهم الممتد من المحيط إلى المحيط ولكن كلهم يعيشون" تحت الستر" ويعرضون واجهة براقة من المبادئ والقيم والاستقامة. فيهم حتى من يعرض لحية أنيقة وقناعا من التقوى منذ أن أصبح "الاسلام هو الحل".

نظر من الواجهة البلوريّة هاهي مريم في انتظاره، سيدة قلبه الجميلة، أحس بفخر ذكوري باذخ لأن هذه المرأة تحبّه. نعم إنّها تحبه وإلا ما اللذي اتى بها إلى باريس معه إن لم تكن تحبّه ؟ لا يدري لماذا في قمة فرحه بها تتسلل دودة الشك الخبيثة لتنغص عليه سعادته، هو يعرف أنه لا يمتلكها حقا يعيش معها دائما على مشارف الخوف ذلك أن الحب يجاور الخوف ويجاور اليأس.
طرد أشواكه الخبيثة ونظر إليها، ارتدت فستانا أنيقا وردي اللون، اعجبه الفستان جدا لم يكن من النوع المبتذل المثير بساطته أعجبته، بدت له أشهى من كل المرات وأعجبه أن تتجمّل له. حضنها كأنه لم يرها منذ عمر، دفن رأسه في شعرها، تنعّم عطرها ورائحتها وغاب عن العمر. ما أجمل أحضانها دافئة كوطن بعد الغربة. ما أجمل أحضانها كأنها أمّه، كأنها عمر من الحنان. قبلها برفق على خدها، ود لو قبّل شفتيها أيضا ولكن يريد أن تكون قبلته على مشارف السين، فكيف لاي امرأة أن تنسى قبلة الشوق الأولى حين تكون على مشارف السين.
وضعت ذراعها تحت ذراعه لأول مرة منذ ان أحبّها تمسك به على مرأى ومسمع من كل الناس، بدت سعيدة وهي تعرض حبّها له على الملأ أسعده ان تمسك بذراعه وأحس بأنّها أخيرا له وحده. قرّرا أن يكتريا سيارة ليكونا على حريتهما في التنقل وللذهاب لفلورنساأ أحس بسعادة لا متناهية وهو ينتظر وقع المفاجأة، أسعده ان يحقق كل أحلامهاـ إنها المرأة التي يحب.
وضع حقيبته في النزل، حجز غرفتين منذ البداية، ليس لأنّه لا يشتهيها بل يريد أن يترك لها حرية الاختيار، يريدها ان تأتي إليه عن قناعة وهاهو كالمقامر اللذي يضع كل ثروته على عجلة الحظ. الغريب أن القمار لم يكن يوما يستهويه ولكن مع مريم أصبح القمار فعلا يوميا يمارسه معها كالحب والغزل. أحيانا يحس أنه يغامر بحياته لأن حبّه له هو كل حياته، ماذا لو تتركه وتمضي، معها يحس كأنه يمشي على ذلك الحبل الرفيع كل خطوة خاطئة قد تسبب سقوطه وموته. ومع هذا يواصل السير فوق الحبل بخطى مرتعشة كدقات قلبه.

-2-

هاهي في باريس اللتي لا طالما أحبّتها، هاهي في باريس تتعلق بخيوط الحب اللتي ما انفكت تلتف حولها وتغرقها رويدا رويدا. من أجله تحس أنّها تحب كل العالم بجماله وقبحه ونساءه ورجاله وأطفاله، فاض حبّها حتى على الأشجار والطرقات والأرصفة. تحس بنفسها تمشي فوق الغيوم وتلامس السماء...إنّه الحب.

معز جعل منها انسانا بقدرات خارقة، حتى عماد تجاوزت عن مساوئه وهناته وكان له في الحب نصيب أيضا. في السابق كانت تختنق كلما هاتفتها، كانت تنتفض من لامبالاته ببناته، الآن أصبح لا يعنيها فليفعل ما يشاء، فليعمل ما شاء له العمل، المهم أن يتركها للحب. عندما نحب شخصا ما تصبح الحياة ورديّة اللون، نستوطن نصف الكأس الممتلئ بعد ان كان نصف الكأس الفارغ هو الوطن.

هاهي باريس إذا، مدينة الأنوار والعشاق، مدينتهما لبضع أيّام، كا كانت تظن حينها انها قد تكون مدينتهما ايضا لبضع فصول في كتاب قد لا يقرأه احد. ماذا تفعل في انتظاره؟ والوقت من دونه لا يتحرّك، قررت أن ترسم من أجله كل المدن اللي تمنت لو استطاعت بناءها، مدن جميلة تبتسم، حدائق وجسور ومنازل بألوان صارخة للبهجة، لا تريد عمارات بلورية شاهقة، لا تشبه إلا نفسها، لا تريد مجمعات تجاريّة بواجهات باردة ومؤلمة لمن لا يملك الثمن. تريد أن تكون المدن عامة لا خاصة فقط لمن يدفع، هذه هي المدن اللتي تحلم بها.

معز يصل في الساعة الثامنة صباحا، استيقظت منذ الرابعة، أخذت حمّاما طويلا، تعطرت، وضعت مكياجها بعناية فائقة، نشرت كل محتويات حقيبتها على فراشها، ماذا ستلبس له، معه دائما تريد ان تكون الأجمل، اليوم يختارها اللون الوردي، فستان جميل وأنيق، بتفاصيل بسيطة ومثيرة، ماذا تفعل بشعرها؟ قالت عصفورة الحب الصغيرة، دعيه كما منسدلا قد تكونين "أميرته الجميلة". شيئ داخلها يريد أن يسحره، أن يمتلكه، ان يجعله ملك يمينها إنها تنتشي من نظرات الحب في عينيه، أصبحت تقتات من تعلقه بها من ادمانه لها، وهاهي تزيده ادمانا. تحس أنها تزداد جمالا وقوّة، كلما زاد حبّه لها وعذابه فيها، يزداد جمالها وثقتها بنفسها.

اتجهت إلى المطار على عجل، تحلق قوق أجنحة الحب الناعمةإنّها على موعد مع الحب ومع السعادة. السعادة؟ هل هي حقا على موعد من السعادة؟ لا تدري لأوّل مرّة تحس بكل شيئ فيها ينتشي طربا، تنساب داخلها موسيقى لذيذة وتهزها لفحات رطبة، كل ما فيها يتسم ويحلق ويرقص ويركض وينتشي. كأن كل ما فيها ينضح عطرا جميلا من الأمل. إنها لا تمشي، إنها ترقص، إنها لا تتكلم، إنها تغني، إنها تعيش، إنها تطير، إنها سعيدة...

هاهي تعانقه في المطار، قبلته على خديه وعن خجل تركت له شفيتها مواربتين في انتظار قبلة منه، تريده ان يقبلها، لا يهمها أين ولا كيف ولا متى، إنها تريده. ولتعترف أيضا إنها تخشاه على نفسها، اكتشفت ان حضوره وحده كفيل بالغاء عقلها وتفكيرها معه تتحول لأنثى، معه ترى ضعفها اللذي لا طالما اخفته خلف أقنعة من القوة الزائفة ولم يحدث أبدا ان نزعت قناع القوة، إلا معه.

هاهي ترتمي بين أحضانه، حبلى بكل ما هو جميل، هذه المرة أيضا تركت له الباب مواربا، هل يقبلها في المطار؟ يتحرق شوقا لضمها إليه ولإغراقها في بحر من الحب، ولكنه يخافها. يخاف على نفسه من حبّها، لأنه معها يتعرى ويضعف ويستسلم للسعادة ولقد جرّب ان استسلم لأمرأة من قبل فكان ما كان. شيئ أقوى منه اخذ كل مراكز القرار، إنها تلغي عقله وتلغي كل قواعد العقلانيّة. معها تنحاز كل القواعد والنظم والقوانين والنواميس للاحساس، فليقبلها إذن وليحدث ما شاء القدر.هل يمكن لقبلة أن تلغي العالم من حولك؟ هل يمكن لقبلة أن تحملك خارج حدود الزمان والمكان؟ هل يمكن لقبلة ان تعيد خلقك من جديد كأنك لم تحب قط، لم تقبل قط ولن تعش من قبل.

هاهي باريس، مدينة العشاق لهما فقط تتجمل ، تواطأ معهما الطقس، تساقط رذاذ خفيف مفعم بنسمات باردة، عبق الجو بنفحات من العشق، تجولا طويلا على شارع الشنزيليزي، يدها في يده، ملتصقان معا تحت المظلة، الرذاذ لا زال يتقاطر والقلب من حولها يتقاطر أيضا.

جلسا في مقهى، متعبين من رحلة المشي الطويلة، سألها:

- حبيبتي ماذا تشربين؟

- أريد ان أشرب من رحيقك، من كلماتك، أحس وكأنني قضيت عمرا من العطش بعيدا عنك.

أغلق عينيه، ماذا يجبيها؟ أخاف إن انت شربت مني ان أزيدك ظمأ، احس احيانا أنني كالبحر المالح، لا أنضح إلا ملحا، أخاف عليك يا وردتي الجميلة، ومع هذا أريدك أن تكوني لي، لي فقط.
- معز، ماذا لو تجرب العيش في اللحظة الراهنة. لماذا تصر دوما على ان يكون لنا مستقبل ما معا؟ لماذا لا تتركنا للقدر، لمرة فقط عش للحظة، للدقيقة، للثانية، للنفس الآني. اترك الغد للغد ولا تسأل ما يكون الآتي. أنا أيضا أنضح ملحا منذ سنوات، ولا أظنني قادرة ان أروي ظمأ أي شخص ما. ففي بحرك على الأقل ما زال هناك الماء إلى جانب الملح اما أنا فقد جف مني الماء وبقي الملح. لذا قررت منذ زمن ان أكون للآن فقط ولا يهم ان أكون في الماء او في اليابسة المهم مع من أكون.

لم يتمالك نفسه  أن قبّلها بكل أحزانه السابقة، بكل عنفوان شبابه الأوّل، بكل خيباته وأحلامه اللي أجهضها الزمن، فل يعش اللحظة إذن كما هي، لماذا الحيرة والتساءل ماذا فعل بنقاط استفهامه كل تلك السنين؟ لم يفعل بها شيئا ظل يتجرع حزنا ممزوجا بمرارة ما عمّا كان يمكن أن يكون.

امسك بيدها وعادا ادراحهما للنزل، يتمشيان رويدا رويدا، كلاهما لا يعرف هل يمسك اللحظة الآنية ام يستشرف خيبة قد تاتي أو لا تأتي. وما المستقبل إذن، أليس هو ذلك الحاضر اللذي أردناه ولم يكن، وما الماضي إذن اليس ذلك اللذي عشناه ونحن نتارجح بين خيبة وخيبة خوفا من مستقبل ما



رواية بقلم سنيا قرّام الجديدي
فليقبلها  … وليحدث ما شاء القدر