فلا يُنسى من بروح الوطن تجمّل وعلى حبّه استشهد
Imene Ben Slim - إيمان بن سليم
بعزيمة وطنية أبت الاستسلام للأوامر الاستعمارية، بحبّ الوطن عمِل وبروح النّضال تسلّح، وبمزاوجة فائقة بين السياسي والنقابي تمكن من زرع ثقافة نضالية وطنية، سكنت ربوع الذاكرة التونسية واحتلت عرش تاريخها النضالي، فلا مجال إلا لاحتشاد الكلمات له واحتشاد النداءات بوطنيته، احتشاد يجتمع اليوم ليحيي الذكرى 63 لاغتيال الزعيم التونسي فرحات حشّاد.
" أحبّك يا شعب "هي محبّة صاغها حشّاد لشعبه، لنقابته ووسم بها نضاله، لتثبت نبضها الدائم وترّسخ اسمًا تخجل الذاكرة من نسيانه، فعلى عهد نضاله ظلّت وفية وعلى مسيرته الوطنية خلّدت حشدًا من سطور الشجاعة والمضي والإقدام في وجه الاحتلال من اجل انتزاع الاستقلال، حشد لك يا حشّاد، تبقى في الذاكرة فعّال وان تنّكرت لك أيادي الاستعمار.
63 سنة مرّت على اغتيال الزعيم النقابي والسياسي فرحات حشّاد على أيادي منظمة " اليد الحمراء "، يد أعلنت أن لا صوت يعلو فوق صوت المستعمر الفرنسي، لكن صوت حشّاد ارتفع فوق سياسات الاحتلال، فأرادت له إسكاتا يوم 5 ديسمبر 1952. ربّما حققوا مطلب حقدهم من زئير صوت خنق مصالحهم، لكنهم لن يُميتوا اسمًا بمجرّد نطقه، تنحني له حروف الوطنية والنضال والدفاع عن تونس، حبّا واحترامًا، إجلالا وإكراما لأول مؤسس لنقابة عريقة هي الاتحاد العام التونسي للشغل.
ولد فرحات حشّاد في 26 فيفري 1914 في بلدة " العباسية " من جزيرة قرقنة التابعة لولاية صفاقس جنوب تونس، ينحدر من عائلة اشتعل فيها الأب صيّاد سمك. فمن رحم الشقاء ولّد حشّاد إصرارا وعزما نحو الكفاح ومقاومة معرقلات الحياة، ليلتحق بعد استكماله دراسته الابتدائية بمجال العمل، بل إنّ العمل لم يثنه عن مواصلة تكوينه المعرفي والثقافي والسياسي الذي اختار له المطالعة والقراءة منهجا، لتحلّ بذلك العصامية صفة تسم شخصية فرحات حشّاد.
وفي سنة 1936، انطلق الزعيم حشّاد في عمله النقابي ونضاله ضدّ المستعمر الفرنسي داخل الكنفدرالية للشغل التي كانت في تلك الفترة بزعامة صالح بن يوسف، وبدأ في نسج نواة نقابية اختار لها النضال مبدأها والوطنية لونها، ترجمها في ولادة أول منظمة نقابية في العالم العربي وإفريقيا، وهي المنظمة الشغيلة الاتحاد العام التونسي للشغل.
وبحكمته صاغ انسجامًا فكريا بين ماهو سياسي وماهو نقابي، فجعل السلّم ميزانها والنضال من اجل الوطن عنوانهما، ليشارك حشّاد الحزب الحرّ الدستوري التونسي مطالبه أثناء ترأسه لجنة الضمانات الدستورية داخل الحزب سنة 1949. وبثقافة الشجاعة ومبادئ الإخلاص، تحمّل فرحات حشّاد مسؤولية حركة المقاومة التحريرية مع بقيّة زملائه في الاتحاد والحزب.
هو نجم ثقب بثبات قراراته مصالح الاحتلال، فأضاء الساحة التونسية في فترة المستعمر الفرنسي، ضوء وطني نضالي تجاوز إشعاعه الحدود الضيّقة للمكان والزمان، لنجد حشّاد يعتلي منابر الخطابات في الولايات المتحدة الأمريكية، يُدافع عن وطنًا الذي نجاه استقلالاً، يُصالح بين النقابات ويوّحد الصفوف الوطنية نحو مطلب شعبي واحد ووفاء لنشيد واحد " نموت نموت ويحيى الوطن ".
طبعت الوطنية مناشير فرحات حشّاد ووسمت مقالاته ومراسلاته، ممّا أكسبه شعبية واسعة أيقظت غرائز حقد الاحتلال الذي أيقن وبعد محاولات عدّة، أنّ حشّاد لم يتماشى مع مخططاتها ولم ينفذّ أجنداتها، فلم يخن وطنه لأنّ إيمانه بأن لا عاش في تونس من خانها ولا عاش من ليس جندها، إيمان زاد من ثبات وطنيته وحبّه لنضاله دون أن يتنّكر ولو بمجرّد فكر لأرض استحق عيشها، فعدم التواطؤ مع المستعمر ينتهي بغدر واغتيال لأيد أبت الخضوع. فكان صباح يوم 5 ديسمبر 1952، صباح نفّذت فيها "اليد الحمراء " التابعة للاستعمار الفرنسي مخططها الإرهابي لاغتيال فرحات حشّاد.
فلئن كان صباح 5 ديسمبر شاهدًا على اغتيال الزعيم فرحات حشّاد وتنفيذِ لمخطط استعماري حاقدٍ، فإن ذلك الصباح أسكن الذاكرة التونسية اسمًا لن يمّر ذاكره عليه مرور الكرام، دون إكرام لمن عزم ودافع عن وطنه وقال " أحبّك يا شعب " فيكون بذلك الاستحضار لروح وطنية نضالية مقاومة ثبتت على مبادئها.
فشرفًا لك يا تونس بزعيم كفرحات حشّاد، وهنيئَا لك يا زمن كنت محرّكه، ورحمة لله على روح مازالت حاضرة بنبضها الثوري بيننا. فما أحوجنا إلى زعيم مثلك يا حشّاد في زمن المصالح وسباق الكراسي والصراعات السياسية، في زمن يعيش في تونس من خانها ويموت من على عهدها ووفائها وعلى حبّها صامدًا.
بقلم إيمان بن سليم - صحافية تونسية
Website Design Brisbane