عالق انا هنا

love-story-old-manAmen Rezgui - أمان الرزقي

وسط اللاشيء الكبير ,, مغترب عن وطن لم تطئه قدمايا قطّ و حبيبتي هناك ,, تنتظرني في مدينة اخرى

تجلس وحيدة لساعات ,, على مقعد خشبي

هي اربع و عشرون ساعة انتظار فقط ,, نصف عمر ,, تتخلى بعدها عن فكرة اللقاء و تلعن كلّ الاحبّة الذّين يخلفون وعودهم ,, يتملّكها الحزن و الوحدة فتلقي بنفسها من شرفة البيت الكبير إلى اللاّشيء

بالأبيض يكفّنون حبيبتي ,, يغيّرون لها الكفن كلّما أثقلته منها الدّماء ,, لا أحد يحاول انعاشها ,, لا أحد يسرع بهلع محبّ فيضع شفتيه على شفتيها ,, فلا أحد في تلك المدينة يؤمن بالفرص الثّانية و قدسيّة الحياة

لا أحد

ستّ أيذام من نزيف الفقد القاتل و حبيبتي تهدم بيتا كان سيأوينا ,, حبيبتي لا تؤمن بالذكريات والبيوت الخالية من اصحابها

و أنا عالق هنا

احسّ بالوهن و اللامعنى ,, اقف و ألف عاشق لحبيبتي وسط اللاشيء ,, كلّ منّا ضرب لها موعدا ,, و كلّنا تخلّفنا
كنت نائما هذا الصباح كعادة العاطلين عن العمل ., احلم بحبيبة لم أراها و اصنع في رأسي الصغير ألف سيناريو للقاء  ,, كيف سألقي عليها تحيّة الحبيبات الجميلات و أدعوها للرّقص أنا الأخرس بلا سيقان ,,

كنت نائما و الف عاشق لحبيبتي حين اهتزّ البيت فجأة ,, علمنا أنّ وقت اللّقاء قد حان ,, لم نحزم اي امتعة و لم نحاول ان نسبح عكس التيار ,, تركنا الدّفء و الأحلام و ركضنا بفرح من قيل لهم

''اذهبوا فأنتم الطّلقاء"

كان الطّريق صعبا طويلا ,, كثيرون ماتوا اثناء الرّحلة ,, بعضهم لم يستطع القفز إلى الضّفة الأخرى ,, تشبّث طويلا بحافّة الجرف و توسّل لكن لا أحد فينا يهتمّ ,, لا احد توقّف عن الرّكض و مدّ له ذنبا ,, ففي هذه المدينة لا نؤمن بالصّداقة و حقّ البقاء

حبيبتي هناك تنتظر ,, و أنا و مئة عاشق نركض ,, لا أحد فينا يعلم إلى أين ,, يتوه بعضنا و يسقط البعض الآخر متهالكا على قارعة الطّريق

نصل إلى آخر الطّريق الطّويل القذر ,, لا شيء هنا يشبهك ,, لا يليق مكان كهذا بلقاء حبيبة و ألف عاشق ,, لا ورود هنا تقطفينها و انت تنتظرين ,, لا شيء على الحائط الكبير ,, ألا تؤمن حيوط هذه المدينة بأسماء العاشقين ؟

اعذريني فإنّي غريب  و لا أحد هنا أسأله ,, اتفحص المكان بحثا عن طريق فرعيّة ,, عن ثقب دوديّ صغير أو محطّة للحافلات مكتضّة بالعاشقين التّائهين مثلي ,,

اعذريني ,, ايّ عاشق ابله يضرب لك موعدا في مدينة لا يعرفها ,, انظر في وجوه عاشقيك المنهكة ,,احسّ بالوهن و اللاّمعنى ,,

بدأت مدّخراتي تنفذ ,,

لا شيء يشبهك وسط اللاّشيء الكبير ,,

اجتمع و الف عاشق لك حول بقايانا ,, نتحدّث عن أحلامنا المجنونة في أن ندعوك الى الرقص بلا سيقان ,, نتعانق إلى موتك المحتوم ,, فهذه المدينة مقبرة العاشقين و الموت يحبّ الرفقة
لم يعد البعد منك يؤلمني ,,  اتجول في مدينة اللاشيء وحيدا ,, هنا لا يتوجّب عليّا الرّكض الدّائم من أجلك ,, ثمّ لما يتوجّب عليّا أنا أن اترك بيتي و دفء المنزل و أركض من أجلك ؟ من الذّي زرع فكرة اللّقاء في رأسي ؟ من قذف بي من نومي إلى تلك المدينة الأخرى غصبا ؟ لما لم يساعدني ؟ كان يستطيع على الأقلّ أن يرسم لي خريطة ,, أن يسألني عند المفترق أيّ الكهوف المظلمة أختار ,, ذلك اللاّمرئيّ لا بدّ أنّه يستمتع بفكرة ألف عاشق يركض نحو اللاشيء
أفكار كثيرة تراودني ,, لقاءك كان هاجسا يعطّل تفكيري و يمنعني من أن أتوقّف عن الرّكض لحظة و أسأل : لماذا ؟

يقابلني عاشق عجوز يقرأ كتابا ,, اقترب منه و القي سلامك ,, فيكفر بك و يبتسم ,,

_ ميّت مبتدأ ؟

_ نعم

يجلسني بجانبه ,و يحدّثني عن اللاّمرئيّ الكبير الذّي يزرعك فينا ليستمتع ,, عن مدينة الخراب القذرة مقبرة العاشقين و عن القلّة الذّين يصلون إليك ,,

أنت حقّا موجودة إذا ,, كم هم محظوظون !

يقلّب العجوز صفحات الكتاب ,, جميلة انت عند اللّقاء كفخّ مبتسم تنفرج شفتاه عن كثير من الحبوب ,,

يواصل العجوز حديثه ,, يخبرني عن جدارك الذّي تقدّم عنده الذّبائح فتفتح رؤوس العاشقين من اجلك ,, تبتلعينهم لقمة واحدة و يذوبون من فرط الحبّ فيك ,,

يتخلّون عن ذواتهم و يتحوّلون بعد ذاك اللّقاء الأوّل إلى كائن جديد لا يشبههم ,, و تأخذينهم غصبا إلى مدينة أخرى تنتحلين فيها هويّة اللاّمرئيّ الكبير

أمان الرزقي
عالق انا هنا