خواطر من مكان آخر
Houda Hadj Ali - هدى الحاج علي
كان يجلس في اطمئنان يرسل نظره الأخضر من الشباك .. لا أدري أكان الأخضر لون عينيه أم أن الأشجار على الطريق انعكست عليها في انسجام.. و كانت هي تجلس قبالته بمقعدين وكانت تنظر إليه خلسة.. شئ ما جذبها الى قسمات الوجه المستقيمة و البشرة القمحية الذهبية و فراشات الرموش أو لنقل الجريد فوق الواحة الخضراء المثمرة ..
رفع ناظريه نحوها صدفة .. فخالت أنه كشفها فارتبكت وخجلت و احمرت حياءً.. ما شده في تلك المصادفة ذلك الإحمرار الذي لا يعرف مصدره .. كانت نظرة خاطفة سريعة انزلها سريعا إلى الهاتف الذي كان من الأول في يده ..
مرت برهة من الزمن ثم رفع عينيه عن قصد نحوها وكأنه يريحهما من شئ ألم بهما من وجع .. لكن استراحتهما جاءت لتقعد على خديها لتطرق هي .. و تسأل نفسها ألاحظني !! ألا زال ينظر ! أأرفع عيني لأعرف ؟ أم لست أنا المعنية !! رفعت بعد صراع داخلي و انتصار التشوق للحقيقة الحجرتين الغامقتين نحوه .. رأته في آخر هروبه و انعطافه ثانيه نحو هاتفه..
استيقظ من شروده في شاشه الهاتف على ريح طيبة وخيال جلس على الكرسي جانبه .. التفت فوجدها هي الجالسة مبتسمة فارتبك بين سرور و جزع .. سلمت فرد السلام و التفت نحو الشباك الصغير ..أصوتها هذا الذي سمعه مرتلا أم خيال !! لماذا أتت .. أ معجبة جسورة !! هو كذلك و إذ به يسمع النبوة ثانية : أعذرني إن جلست دون إذن منك و لكني شعرت باختناق في مكاني ذاك و مدت إصبعها السبابة مشيرة إلى مكانها .. ثم أضافت أفضل الجلوس قرب النوافذ فالأماكن المغلقة تسبب لي حالة من الاختناق و صعوبة في التنفس ..
رد عليها بصوت ليس بعال و لا بخافت بين بين لا متوترا كل التوتر و لا واثقا .. قال ليس هناك داع للأسف خذي راحتك و أدار وجهه لوضعه الأول .. لم تكن وحدها من تطفلت على وحدته .. بل عطرها احتل الكرسي و الشباك و تجاويفه شهيقا و زفيرا .. أحس بعدم الارتياح في جلسته فتململ في شبه استدارة نحو الشباك كأنه يهرب منها .. ترتفع حرارته بمجرد أن يتخيل تلك العينان تصعدان على ظهره فوق قميصه الأبيض .. يحس بهما تلمسانه بل تضغطان على ظهره في نعومة لا يطيقها .. يخفق قلبه .. يساءل نفسه ماذا يحدث لك .. يسأل قلبه أن توقف فليس هذا وقت جنونك و مجونك .. يرتبك .. يتعرق من جبينه ..
تمر ساعة اضطراب و هواجس و تخيلات و صراع داخلي يقرر بعدها أن يعتدل في جلسته و يقرر قلبه أن يبادلها الحديث .. و ذلك بعد أن أقنع العقل أن حب النظرة الأولى موجود و بالغ في اقناعه فتراه يستعرض قصيدة لقيس بن الملوح تارة و اقتباسا عن شكسبير تارة أخرى و يردد سطورا من طوق الحمامة "الحب أعزك الله أوله هزل و آخره جد .. " اعتدل في جلسته و لم يرفع عينيه بل كان يعد ابتسامة يرسمها على شفتيه .. التفت اليها .. لم تكن موجودة لقد غادرت .. وقف في جزع .. عيناه الخضراواتان مفتوحتان على آخرهما .. اصفر وجهه ..تلفت في الوجوه .. لم تكن موجوده .. ارتطم جسده منهكا على مقعده كأنه كان يعدو .. لقد جاءت محطتها و نزلت لكن ريحها ظل بالقطار ..
هدى الحاج علي
Website Design Brisbane